للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فجالت الفرس، فسكت وسكنت الفرس، ثمّ قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها فأشفق أن تصيبه، فلمّا اجترّه رفع رأسه إلى السّماء حتّى ما يراها، فلمّا أصبح حدّث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال له:

«اقرأ يابن حضير، اقرأ يا ابن حضير» . قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى «١» وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السّماء، فإذا مثل الظّلّة فيها أمثال المصابيح، فخرجت حتّى لا أراها «٢» ، قال: «وتدري ما ذاك؟» . قال: لا، قال:

«تلك الملائكة دنت لصوتك، ولو قرأت لأصبحت ينظر النّاس إليها، لا تتوارى منهم» ) «٣» .

٦-* (عن عبد الله الهوزنيّ قال: لقيت بلالا مؤّذن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بحلب، فقلت: يا بلال، حدّثني كيف كانت نفقة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: ما كان له شيء، كنت أنا الّذي ألي ذلك منه منذ بعثه الله إلى أن توفّي، وكان إذا أتاه الإنسان مسلما فرآه عاريا يأمرني فأنطلق فأستقرض فأشتري له البردة فأكسوه وأطعمه، حتّى اعترضني رجل من المشركين فقال: يا بلال، إنّ عندي سعة فلا تستقرض من أحد إلّا منّي، ففعلت، فلمّا أن كان ذات يوم توضّأت ثمّ قمت لأؤذّن بالصّلاة، فإذا المشرك قد أقبل في عصابة من التّجّار، فلمّا (أن) رآني قال: يا حبشيّ، قلت: يا لبّاه، فتجهّمني، وقال لي قولا غليظا، وقال لي: أتدري كم بينك وبين الشّهر؟ قال:

قلت: قريب، قال: إنّما بينك وبينه أربع، فاخذك بالّذي عليك فأردّك ترعى الغنم كما كنت قبل ذلك، فأخذ في نفسي ما يأخذ في أنفس النّاس، حتّى إذا صلّيت العتمة رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أهله فاستأذنت عليه، فأذن لي، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت (وأمّي) إنّ المشرك الّذي كنت أتديّن منه قال لي كذا وكذا، وليس عندك ما تقضي عنّي، ولا عندي، وهو فاضحي، فأذن لي أن آبق إلى بعض هؤلاء الأحياء الّذين قد أسلموا حتّى يرزق الله رسوله صلّى الله عليه وسلّم ما يقضي عنّي، فخرجت حتّى إذا أتيت منزلي فجعلت سيفي وجرابي ونعلي ومجنّي عند رأسي، حتّى إذا انشقّ عمود الصّبح الأوّل أردت أن أنطلق فإذا إنسان يسعى يدعو:

يا بلال! أجب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فانطلقت حتّى أتيته، فإذا أربع ركائب مناخات عليهنّ أحمالهنّ، فاستأذنت فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أبشر فقد جاءك الله بقضائك» ثمّ قال: «ألم تر الرّكائب المناخات الأربع» فقلت: بلى، فقال: «إنّ لك رقابهنّ وما عليهنّ فإنّ عليهنّ كسوة وطعاما أهداهنّ إليّ عظيم فدك، فاقبضهنّ واقض دينك» ففعلت، فذكر الحديث، ثمّ انطلقت إلى المسجد فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قاعد في المسجد، فسلّمت عليه، فقال: «ما فعل ما قبلك؟»


(١) يحيى: ولده.
(٢) قال ابن حجر: كذا فيه اختصار، وقد أورده أبو عبيد كاملا ولفظه «رفع رأسه إلى السماء فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها» وفي رواية إبراهيم بن سعد «فقمت إليها فإذا مثل الظلة فوق رأسي فيها أمثال الشبح، فعرجت في الجو حتى ما أراها» . أهـ. (الفتح ٨/ ٦٨٢) .
(٣) البخاري الفتح ٨ (٥٠١٨) .