للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالصّبر «١» .

[معنى اسم الله الصبور:]

قال ابن منظور في أسماء الله تعالى: الصّبور «وهو الّذي لا يعاجل العصاة بالانتقام. وهو من أبنية المبالغة، ومعناه قريب من معنى الحليم. والفرق بينهما أنّ المذنب لا يأمن العقوبة في صفة الصّبور كما يأمنها في صفة الحليم. قال أبو إسحاق: الصّبور في صفة الله- عزّ وجلّ-: الحليم. وفي الحديث «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله- عزّ وجلّ-» . أي أشدّ حلما على فاعل ذلك وترك المعاقبة عليه «٢» .

قال الزّجّاج: الصّبور فعول بمعنى فاعل، ومعنى الصّبر والصّبور في اسم الله تعالى قريب من معنى الحليم «٣» .

وقال الغزاليّ: الصّبور هو الّذي لا تحمله العجلة على المسارعة إلى الفعل قبل أوانه، بل ينزّل الأمور بقدر معلوم ويجريها على سنن محدود، لا يؤخّرها عن آجالها المقدّرة لها، ولا يقدّمها على أوقاتها، بل يودع كلّ شيء في أوانه على الوجه الّذي يجب أن يكون كما ينبغي «٤» .

[الصبر اصطلاحا:]

قال الرّاغب: هو حبس النّفس على ما يقتضيه العقل والشّرع أو عمّا يقتضيان حبسها عنه. وقال الجاحظ: الصّبر عن الشّدائد خلق مركّب من الوقار والشّجاعة. وقال المناويّ: الصّبر: قوّة مقاومة الأهوال والآلام الحسّيّة والعقليّة «٥» .

وقيل: هو حبس النّفس عن الجزع والتّسخّط، وحبس اللّسان عن الشّكوى، وحبس الجوارح عن التّشويش.

وقيل: هو ترك الشّكوى من ألم البلوى لغير الله إلّا إلى الله؛ لأنّ الله تعالى أثنى على أيّوب- عليه السّلام- بالصّبر بقوله إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً (ص/ ٤٤) مع دعائه في دفع الضّرّ عنه بقوله وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (الأنبياء/ ٨٣) فعلم أنّ العبد إذا دعا الله تعالى في كشف الضّرّ عنه لا يقدح في صبره.

وقيل: هو خلق فاضل من أخلاق النّفس يمتنع به من فعل ما لا يحسن ولا يجمل، وهو قوّة من قوى النّفس الّتي بها صلاح شأنها وقوام أمرها.

وقيل: هو الثّبات على أحكام الكتاب والسّنّة.

وقيل: هو الوقوف مع البلاء بحسن الأدب.

وقيل: هو الثّبات مع الله، وتلقّي بلائه بالرّحب والسّعة.

وقيل: هو ثبات القلب عند موارد الاضطراب «٦» .

[مراتب الصبر:]

قال الفيروز اباديّ: مراتب الصّبر خمسة: صابر ومصطبر، ومتصبّر، وصبور، وصبّار. فالصّابر أعمّها، والمصطبر: المكتسب للصّبر، المبتلى به، والمتصبّر:

متكلّف الصّبر حامل نفسه عليه، والصّبور: العظيم الصّبر الّذي صبره أشدّ من صبر غيره، والصّبّار:

الشّديد الصّبر فهذا في القدر والكمّ والّذي قبله في


- عام وربما خولف بين أسمائه باختلاف مواقعه وزاد على ما هنا: وإن كان في نائبة مضجرة سمي رحابة صدر ويضاده الضجر.
(١) مدارج السالكين (٣/ ١٦٥) .
(٢) الصحاح للجوهري (٢/ ٧٠٦) ، ولسان العرب (٤/ ٤٣٨) ، التعريفات للجرجاني (١٣١) .
(٣) تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج (٦٥) .
(٤) المقصد الأسنى للغزالي (١٤٩) .
(٥) مفردات الراغب (٥٢٧٣) ، والتوقيف على مهمات التعاريف (٢١٢) .
(٦) مدارج السالكين (١/ ١٦٢، ١٦٣) ، والتوقيف (٢١٢) .