للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتباع قريش أسلوب الترغيب للرسول صلّى الله عليه وسلّم:

أرادت قريش أن تجرب أسلوب الترغيب، فأرسلت عتبة بن ربيعة، الذي قال للرسول صلّى الله عليه وسلّم: «يابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من المكان في النسب، وقد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا لعلك تقبل بعضها: إن كنت إنما تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا. وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا فلا نقطع أمرا دونك. وإن كنت تريد ملكا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى تبرأ» .

فلما فرغ من قوله تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدر سورة «فصلت» إلى قوله تعالى فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ «١» وعندها وضع عتبة يده على جنبه وقام كأن الصواعق ستلاحقه، وعاد إلى قريش مخبرا إياهم بأن ما سمع ليس بشعر ولا سحر ولا كهانة، واقترح على قريش أن تدع محمدا وشأنه «٢» . وفي رواية البيهقي وابن أبي شيبة وابن حميد من حديث جابر، زادوا: «وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختار من أي أبيات قريش شئت» . وفي رواية أن الوليد بن المغيرة جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رقّ له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال: «يا عم إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا» . قال: «لم؟» قال: «ليعطوك، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله..» ثم قال عن القرآن الذي سمعه من محمد صلّى الله عليه وسلّم: «ووالله إن لقوله الذي يقول حلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو وما يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته» «٣» .

[اتباع قريش لأسلوب الترهيب:]

كان أبو جهل، إذا سمع عن رجل قد أسلم وله شرف ومنعة، أنّبه وأخزاه، وقال له: «تركت دين أبيك وهو خير منك! لنسفهن حلمك ولنضعفن رأيك ولنضعن شرفك» ، وإن كان تاجرا قال له: «لنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك» ، وإن كان ضعيفا ضربه وأغرى به «٤» .

أذى المشركين للرسول صلّى الله عليه وسلّم:

عند ما لم تثمر كل الأساليب السابقة في صد الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه عن دينهم، لجأت قريش إلى أسلوب الاعتداء والتصفية الجسدية.

لقد استفحل إيذاؤهم للرسول صلّى الله عليه وسلّم في الفترة العلنية لغضبهم منه حين أضحى يظهر شعائر دينه مثل الصلاة عند الكعبة. فقد روى مسلم «٥» عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: قال أبو جهل: «هل يعفر محمد


(١) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآية/ ١٣.
(٢) روى هذا الخبر ابن إسحق بإسناد منقطع- ابن هشام- السيرة (١/ ٣٦٢- ٣٦٣) .
(٣) رواه الحاكم في المستدرك موصولا (٢/ ٥٠٦- ٥٠٧) .
(٤) ابن إسحق، معلقا- ابن هشام- السيرة (١/ ٣٩٥) .
(٥) مسلم- الصحيح، (٤/ ٢١٤٥- ٢١٥٥/ ح ٢٧٩٧، وانظره مختصرا عند البخاري في الفتح (١٨/ ٣٨٠/ ح ٤٩٥٨) .