للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اتّصال الرسول صلّى الله عليه وسلّم برهط من الأوس والخزرج ودعوتهم:

مكث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يتبع الناس في منازلهم وأسواقهم بعكاظ ومجنّة، وفي مواسم الحج في منى، «حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون عليه بالأصابع «١» .

ولقد كان أهل يثرب من الأوس والخزرج أكثر الناس تجاوبا مع دعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندما عرض عليهم الإسلام «٢» . وكانت الاتصالات الأولى بالأنصار قد تمّت في مواسم الحج والعمرة، وقد عرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم الإسلام على سويد بن الصامت، غير أنه لم يعلن إسلامه، كما أنه لم يبعد عنه، وقد استحسن ما سمع من القرآن، ثم انصرف عنه فقدم المدينة على قومه فلم يلبث أن قتله الخزرج في حرب «بعاث» ، وكان رجال من قومه يقولون إنه مات مسلما «٣» .

ويذكر جابر بن عبد الله الأنصاري مجيء أعداد من الأوس والخزرج إلى الحج، وعلاقتهم بالرسول صلّى الله عليه وسلّم فيقول «فأويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلّا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام» «٤» .

وكانت الأوس قد سعوا لمحالفة قريش على الخزرج الذين كانوا أكثر منهم عددا، فقدم أبو الحيسر أنس بن رافع في وفد من بني عبد الأشهل لهذا الغرض، فسمع بهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم فجاءهم ودعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن فقال أحدهم، وهو إياس بن معاذ: «أي قوم! هذا والله خير مما جئتم له، فانتهره أبو الحيسر فصمت، وقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عنهم، ورجعوا إلى المدينة، وجرت الحرب بين الأوس والخزرج «يوم بعاث» ، ثم مات إياس بن معاذ، وكان قومه يسمعونه يهلل الله ويكبره ويحمده ويسبّحه حتى مات، فما كانوا يشكّون أنه مات مسلما، فقد استشعر الإسلام في لقائه مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك المجلس «٥» .

ومع أن هذين الرجلين من الأوس كانا قد استشعرا الإسلام، فإن المصادر لم تذكر قيامهما بالدعوة في وسط قومهما، فإن البداية المثمرة للاتصال بالأنصار كانت مع وفد الخزرج في موسم الحج عند عقبة منى، الذين التقاهم النبي صلّى الله عليه وسلّم وجلس معهم وكلمهم ودعاهم إلى الله- عز وجل-، وعرض عليهم الإسلام وتلا عليهم القرآن. وقد ذكر ابن إسحاق إسلامهم وقيامهم بالدعوة في المدينة «٦» .


(١) أحمد- المسند ٣/ ٣٢٢، ٣٣٩- ٣٤٠ وإسناده حسن.
(٢) ابن هشام- السيرة النبوية ٢/ ٧٧- ٧٩ بإسناد حسن، وقال ابن حجر في الإصابة ١/ ١٤٦ بإنه من صحيح الحديث.
(٣) المرجع السابق ٢/ ٣٤.
(٤) أحمد- المسند ٣/ ٣٣٩- ٣٤٠.
(٥) ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٦- ٣٧ بإسناد حسن.
(٦) المرجع السابق ٢/ ٣٧- ٣٩ بإسناد حسن.