للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يحتاج إليه (أي العزيز) كلّ شيء في كلّ شيء حتّى في وجوده وبقائه وصفاته، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ، وفيما يتعلّق بالمعنى الثّالث وهو صعوبة الوصول إلى العزيز فالكمال في ذلك يتمثّل في استحالة الوصول إليه، على معنى الإحاطة بكنهه، وليس ذلك على الكمال إلّا لله عزّ وجلّ فالله عزّ وجلّ بذلك هو العزيز المطلق الحقّ، لا يوازيه في ذلك الاسم غيره «١» .

المعزّ من أسماء الله عز وجل:

إذا كان سبحانه هو الموصوف بالعزّة التّامّة المطلقة فإنّه سبحانه هو «الّذي يهب العزّ لمن يشاء من عباده «٢» ، والعزيز من العباد هو كما يقول الغزاليّ: من يحتاج إليه عباد الله في أهمّ أمورهم وهي الحياة الآخرويّة والسّعادة الأبديّة، وذلك ممّا يقلّ- لا محالة- وجوده، ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء- صلوات الله عليهم أجمعين- ويشاركهم في العزّ من ينفرد بالقرب من درجتهم في عصره، كالخلفاء والعلماء، وعزّة كلّ واحد منهم بقدر علوّ مرتبته عن سهولة النّيل والمشاركة، وبقدر عنائه فى إرشاد الخلق «٣» . وقال- رحمه الله تعالى-: من رزقه الله القناعة حتّى استغنى بها عن خلقه وأمدّه بالقوّة والتّأييد حتّى استولى بها على صفات نفسه فقد أعزّه الله في الدّنيا وسيعزّه في الآخرة بالتّقريب إليه «٤» .

وقال الخطّابيّ: العزّ في كلام العرب على ثلاثة أوجه:

الأوّل: معنى الغلبة والقهر، ومنه قولهم: من عزّ بزّ، أي من غلب سلب، ومنه قوله سبحانه:

وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ (ص/ ٢٣) أي غلبني.

والثّاني: معنى الشّدّة والقوّة كقول الهذليّ يصف العقاب:

حتّى انتهيت إلى فراش عزيزة ... سوداء روثة أنفها كالمخصف

جعلها عزيزة لأنّها من أقوى جوارح الطّير.

والثّالث: أن يكون بمعنى نفاسة القدر يقال منه: عزّ الشّيء يعزّ بكسر العين من يعزّ- فيتأوّل معنى العزيز على هذا أنّه لا يعادله شيء، وأنّه لا مثل له ولا نظير والله أعلم» «٥» .

عزة الله- عز وجل-:

ذكر ابن القيّم: أنّ عزّة المولى سبحانه متضمّنة لهذه الأنواع السّابقة كلّها وهي:

١- عزّة القوّة: الدّالّ عليها من أسمائه القويّ المتين وهي وصفه العظيم الّذي لا تنسب إليه قوّة المخلوقات وإن عظمت.

٢- عزّة الامتناع: فإنّه هو الغنيّ بذاته، فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضرّه فيضرّوه، ولا نفعه فينفعوه، بل هو الضّارّ النّافع المعطي المانع.

٣- عزّة القهر والغلبة لكلّ الكائنات: فهي كلّها مقهورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته،


(١) المقصد الأسنى (بتصرف يسير) ص ٧٣.
(٢) لسان العرب (٥/ ٣٧٤) .
(٣) المقصد الأسنى ص ٧٤.
(٤) المرجع السابق ص ٨٩.
(٥) شأن الدعاء لأبي سليمان الخطابي، بتحقيق أحمد الدقاق (٤٧- ٤٨) ط ١، ١٤٠٤. هـ.