للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بني الدّيل وهو من بني عبد ابن عدي هاديا خرّيتا- والخرّيت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهميّ، وهو على دين كفار قريش، فأمناه، فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل فأخذ بهم طريق السواحل» «١» .

وأخرج الإمام أحمد عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم بمكة ثم أمر بالهجرة فنزل عليه قوله تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً «٢» .

وأورد الإمام أحمد في مسنده رواية حسنة تشير إلى أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قد انطلق إلى الغار من بيته حيث حاصره المشركون يريدون قتله، فلبس علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ثوبه ونام في مكانه، واخترق النبي صلّى الله عليه وسلّم حصار المشركين دون أن يروه، بعد أن أوصى عليّا بأن يخبر أبا بكر أن يلحق به فجاء أبو بكر وعلي نائم، وأبو بكر يحسب أنه نبي الله فقال: يا نبي الله، فقال علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه، قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه في الغار، قال: وجعل علي يرمى بالحجارة كما كان يرمى نبي الله وهو يتضوّر، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح «٣» . ثم كشف عن رأسه، فقالوا: إنك للئيم كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر، وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك «٤» .

أمر أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- عامر بن فهيرة أن يصحبهما في هجرتهما ليخدمهما ويعينهما على الطريق «٥» . وحمل أبو بكر. رضي الله عنه- ثروته ليضعها تحت تصرف الرسول صلّى الله عليه وسلّم وقد ذكرت أسماء بنت أبي بكر أنها كانت خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم «٦» . ومكث النبي صلّى الله عليه وسلّم والصديق- رضي الله عنه- في الغار ثلاث ليال، تمكن المشركون خلالها من اقتفاء آثارهم إلى الغار، وقد بكى الصديق خوفا على سلامة النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يرى أقدامهم عند فم الغار وقال: «يا نبي الله: لو أن أحدهم طأطأ بصره رآنا» «٧» . فقال له الرسول صلّى الله عليه وسلّم «أسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما» «٨» . وإلى هذا اليقين والتوكل الكامل تشير الآية الكريمة: ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا «٩» .


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٣١- ٢٣٢ (حديث ٣٩٠٥) . وقد أورد البخاري في صحيحه (الفتح ٧/ ٣٨٩) رواية صحيحة أخرى تذكر إن النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر- رضي الله عنه- ركبا فانطلقا حتى أتيا الغار وهو بثور.
(٢) أحمد المسند ٣/ ٢٩١، الترمذي- السنن ٨/ ٢٩١، ابن كثير التفسير ٥/ ٢٢٣، الطبري- التفسير ١٥/ ١٤٨- سورة الإسراء- آية ٨٠.
(٣) أحمد- المسند ١/ ٢٥- ٢٦، ٨٤، وانظر: ابن أبي شيبة- المصنف ١٤/ ٤٨٨- ٩، النسائي- الخصائص ص/ ١٣٤- ١٣٥، الطبري- تهذيب الآثار ٣/ ٢٣٧، الحاكم- المستدوك ٣/ ٥، الخطيب- تاريخ بغداد ١٣/ ٣٠٢.
(٤) أحمد- المسند ٥/ ٢٦- ٢٧ ولا تقوى هذه الرواية على معارضة ما في الصحيح ولكن يمكن التوفيق بينهما.
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٧/ ٢٣١- ٢ حديث ٣٩٠٥) .
(٦) الحاكم- المستدرك ٣/ ٥، البيهقي- دلائل ٢/ ٤٨٠، ابن هشام- السيرة ١/ ٤٨٨.
(٧) البخاري- الفتح (الحديث ٣٩٢٢) ، أحمد- المسند ١/ ١٥٩.
(٨) البخاري- الصحيح (فتح، حديث ٤٦٦٣، حديث ٣٩٢٢) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨٤٣ بإسناد صحيح، عروة- مغازي ص/ ١٢٩.
(٩) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٤٠.