للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتّى اجتمعت لي ثلاثمائة وديّة. فقال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اذهب يا سلمان ففقّر لها «١» ، فإذا فرغت فائتني أكون أنا أضعها بيدي» . ففقّرت لها وأعانني أصحابي، حتّى إذا فرغت منها جئته، فأخبرته، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معي إليها، فجعلنا نقرّب له الوديّ، ويضعه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بيده، فو الّذي نفس سلمان بيده، ما ماتت منها وديّة واحدة، فأدّيت النّخل، وبقي عليّ المال، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بمثل بيضة الدّجاجة من ذهب من بعض المغازي فقال:

«ما فعل الفارسيّ المكاتب؟» . قال: فدعيت له، فقال: «خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان» . فقلت:

وأين تقع هذه يا رسول الله ممّا عليّ؟ قال: «خذها فإنّ الله- عزّ وجلّ- سيؤدّي بها عنك» . قال: فأخذتها فوزنت لهم منها، والّذي نفس سلمان بيده! أربعين أوقيّة فأوفيتهم حقّهم، وعتقت، فشهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الخندق، ثمّ لم يفتني معه مشهد) * «٢» .

١٥-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدأ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّالحة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق

الصّبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء فيتحنّث فيه- وهو التّعبّد- اللّيالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها، حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال:

اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: فأخذني فغطّني «٣» حتّى بلغ منّي الجهد «٤» ، ثمّ أرسلني فقال:

اقرأ. قلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ فقلت: «ما أنا بقارئ» . فأخذني فغطّني الثّالثة، ثمّ أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ ١- ٣) ، فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: زمّلوني، زمّلوني. فزمّلوه «٥» حتّى ذهب عنه الرّوع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلّا، والله ما يخزيك الله أبدا، إنّك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضّيف وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل ابن أسد بن عبد العزّى- ابن عمّ خديجة- وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي، ماذا


(١) فقر لها: أي احفر لها موضعا تغرس فيه.
(٢) أحمد (٥/ ٤٤١- ٤٤٤) واللفظ له. والبزار (٣/ ٢٦٨) حديث (٢٧٢٦) من حديث بريدة. وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد، كله والطبراني بنحوه في الكبير بأسانيد وإسناد احداها رجالها رجال الصحيح غير محمد بن إسحاق، وقد صرح بالسماع، والرواية الثانية انفرد بها (٩/ ٣٣٢- ٣٣٦) .
(٣) غطني: أي ضمني وعصرني.
(٤) الجهد: روي بالنصب أي بلغ الغط مني غاية وسعي، وروي بالرفع أي بلغ مني الجهد مبلغه.
(٥) زملوه: أي لفّوه وغطوه.