للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالهجرة وبيان عظيم أجرها حتى وعد الله تعالى المهاجرين بمنعهم وحمايتهم وتمكينهم من مراغمة أعدائهم والتوسعة عليهم في أرزاقهم قال تعالى: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً «١» .

وقال تعالى: وَالَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقاً حَسَناً وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ «٢» . وقد شرع الله تعالى الهجرة على المسلمين القادرين عليها ومنعهم من الاستمرار في الإقامة مستضعفين مع المشركين، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً «٣» .

وتغلب المهاجرون على المشكلات العديدة، واستقروا في دار الهجرة مغلبين متطلبات الدعوة ومصالح العقيدة.

ولقد تأخر بعض المسلمين بمكة عن الهجرة تحت ضغوط أزواجهم وأولادهم، فلما هاجروا ووجدوا أن من سبقهم بالهجرة من إخوانهم قد تفقهوا في الدين، تألموا وهمّوا بمعاقبة ذويهم، وكان ذلك سببا في نزول قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «٤» .

ومما يمكن ملاحظته أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قد استبدل اسم يثرب فقد أورد مسلم حديثا عن جابر أنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «إنّ الله تعالى سمّى المدينة: طابة» «٥» .

وروى البخاري بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «على أنقاب المدينة ملائكة لا يدخلها الطّاعون ولا الدّجّال» «٦» . وروى أحمد في مسنده بسنده أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من سمّى المدينة يثرب فليستغفر الله- عزّ وجلّ- هي طابة، هي طابة» «٧» . وقد سماها الله تعالى في كتابه العزيز «المدينة» في مواضع متعددة «٨» .

لم يعد سكان المدينة، كما كانوا عليه قبل الهجرة، يقتصرون على يهود وأوس وخزرج، فقد استوطنها المهاجرون من قريش وغيرهم من القبائل الأخرى «٩» . وحيث إن أساس المجتمع الجديد يستند إلى العقيدة التي


(١) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ ١٠٠.
(٢) القرآن الكريم- سورة الحج، الآية/ ٥٨.
(٣) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ ٩٧.
(٤) القرآن الكريم- سورة التغابن، الآية/ ١٤.
(٥) مسلم- الصحيح (٢/ ١٠٠٧ حديث ١٣٨٥) ، وقد أورده عمر بن شبة في تاريخ المدينة ١/ ١٦٤.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٧١٣٣) .
(٧) أحمد- المسند ٤/ ٢٨٥ بسنده إلى البراء بن عازب، وانظر ابن حجر في الفتح، والهيثمي في مجمع الزوائد ٣/ ٣٠٠، ابن شبة- تاريخ المدينة ١/ ١٦٤- ٦٥.
(٨) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ١٠١، ١٢٠، سورة الأحزاب- الآية/ ٦٠، سورة المنافقون- الآية/ ٨ كما ورد اللفظ نفسه ليعرف مواضع أخرى في مناطق متعددة من جزيرة العرب ومصر.
(٩) ابن هشام- السيرة ٢/ ١١٥- ١٤٤، ٣٤٢- ٣٤٦، ابن سعد الطبقات ٢/ ١٢.