للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد استعرضنا آنفا نصوص موادعة اليهود، والتي أعلنت بعض بنودها أن المدينة حرم آمن لا يجوز انتهاكه، وبذلك ضمنت استقرار الأمن، ومنعت الحروب الداخلية فيها، وأصبحت المدينة مركز انطلاق الدعوة، وعاصمة للدولة الإسلامية الناشئة.

يتناول القسم الثاني من الوثيقة أو المعاهدة، بنود التحالف بين المهاجرين والأنصار، وبينت الوثيقة في صدرها أطراف التحالف فذكرت «المؤمنين والمسلمين من قريش وأهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» «١» .

وجعلت الوثيقة أطراف التعاقد «أمة واحدة من دون الناس» «٢» .

وتعرضت تسع فقرات تالية «٣» إلى ذكر الكيانات العشائرية. والملاحظ أن المهاجرين اعتبروا كتلة واحدة متميزة في حين نسب الأنصار إلى عشائرهم، وقد اتضح أن القصد من ذلك إبراز فكرة التكافل الإجتماعي، دون التناصر في العصبية والظلم. وبهذا فقد حوّل الرسول صلّى الله عليه وسلّم التوجهات القبلية إلى ما يحقق الأهداف السامية للدعوة الإسلامية. وبما أن التكافل يحتم على القبيلة أن تعين أفرادها، وهو أمر كان سائدا في الجاهلية، فقد أقرته الوثيقة لما فيه من روح تعاون وتضامن وتكافل. وهكذا فقد ورد في أعقاب ذكر المهاجرين والقبائل الأنصارية الأخرى قوله بأنهم:

«على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدى عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين» «٤» .

وأكدت الوثيقة على مسئولية المؤمنين الشاملة في التكافل مع كل فرد من أبناء الأمة: «لأن المؤمنين لا يتركون مفرحا بينهم أن يعطوه بالمعروف من فداء أو عقل» «٥» . وإلى جانب ذلك، أكدت الوثيقة على المسئولية الجماعية، فقد أصبحت مسئولية المؤمنين جميعا تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة في المدينة: «وأن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة ظلم «٦» ، أو إثما، أو عدوانا أو فسادا بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم» «٧» .

وتبرز في الوثيقة بجلاء روح الإسلام في استعلاء المؤمنين على الكافرين، وأن دم الكافر لا يكافيء دم المؤمن، والتأكيد على الترابط الوثيق بين المؤمنين وموالاتهم بعضهم لبعض: «ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر، ولا ينصر كافرا على مؤمن، وأن ذمة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وأن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس» «٨» .


(١) الفقرة الأولى من الوثيقة- مجموعة الوثائق، محمد حميد الله.
(٢) الفقرة (٢) ، المرجع السابق: (الوثيقة) .
(٣) الفقرات (٣- ١١) من الوثيقة.
(٤) الفقرات (٣- ١١) من الوثيقة.
(٥) الفقرة (١٢) من الوثيقة.
(٦) طلب عطية دون وجه حق، انظر ابن الأثير- النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ١١٧.
(٧) الفقرة (١٣) من الوثيقة.
(٨) الفقرتان (١٤- ١٥) من الوثيقة.