للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«أخرج من عندك» ، قال: إنّما هم أهلك «١» بأبي أنت يا رسول الله، قال: «فإنّي قد أذن لي في الخروج» ، قال:

فالصّحبة بأبي أنت يا رسول الله، قال: «نعم» ...

الحديث) *» .

٤-* (قال أبو ذرّ- رضي الله عنه- خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلّون الشّهر الحرام، فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا، فنزلنا على خال لنا، فأكرمنا خالنا وأحسن إلينا، فحسدنا قومه فقالوا: إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم «٣» أنيس، فجاء خالنا فنثا «٤» علينا الّذي قيل له، فقلت: أمّا ما مضى من معروفك فقد كدّرته، ولا جماع لك فيما بعد، فقرّبنا صرمتنا «٥» ، فاحتملنا عليها، وتغطّى خالنا ثوبه فجعل يبكي، فانطلقنا حتّى نزلنا بحضرة مكّة، فنافر «٦» أنيس عن صرمتنا وعن مثلها «٧» ، فأتينا الكاهن فخيّر أنيسا، فأتانا أنيس بصرمتنا ومثلها معها.

قال: وقد صلّيت يابن أخي، قبل أن ألقى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بثلاث سنين، قلت: لمن؟ قال: للهّ، قلت: فأين توجّه؟ قال: أتوجّه حيث يوجّهني ربّي، أصلّي عشاء حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء «٨» ، حتّى تعلوني الشّمس.

فقال أنيس: إنّ لي حاجة بمكّة فاكفني، فانطلق أنيس حتّى أتى مكّة، فراث عليّ «٩» ، ثمّ جاء، فقلت: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلا بمكّة على دينك، يزعم أنّ الله أرسله، قلت: فما يقول النّاس؟، قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشّعراء.

قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر «١٠» فما يلتئم على لسان أحد بعدي، أنّه شعر، والله! إنّه لصادق، وإنّهم لكاذبون.


(١) أهلك: أي زوجته عائشة- رضي الله عنها-.
(٢) البخاري- الفتح ١٠ (٥٨٠٧) .
(٣) خالف إليهم: أتاهم للفاحشة: أي ليزني بهم.
(٤) فنثا: أي أشاعه وأفشاه.
(٥) صرمتنا: الصرمة هي القطعة من الإبل، وتطلق أيضا على القطعة من الغنم.
(٦) فنافر: قال أبو عبيد وغيره في شرح هذا: المنافرة المفاخرة والمحاكمة، فيفخر كل واحد من الرجلين على الاخر، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيهما خير وأعز نفرا، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيهما أشعر.
(٧) عن صرمتنا وعن مثلها: معناه: تراهن هو وآخر أيهما أفضل، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك، فأيهما كان أفضل أخذ الصرمة، فتحاكما إلى الكاهن، فحكم بأن أنيسا أفضل، وهو معنى قوله فخير أنيسا، أي جعله الخيار والأفضل.
(٨) الخفاء: هو الكساء، وجمعه أخفية ككساء وأكسية.
(٩) فراث علي: أي أبطأ.
(١٠) أقراء الشعر: أي طرقه وأنواعه.