للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتمكنت الحكومة الإسلامية من حماية المدينة من الهجمات من خارجها، ومن كيد اليهود والمنافقين من داخلها، ووسعت حدود سلطاتها تدريجيا حتى امتد في أواخر عصر النبوة إلى معظم أنحاء جزيرة العرب. وقد بذلت الكثير من الجهود لتنظيم عمليات الدفاع والهجوم، وزيادة أعداد المقاتلين حتى وصل في غزوة تبوك ما يزيد على ثلاثين ألف مقاتل. وكانت التجهيزات تعتمد على جهود الأفراد، وما يقدمه أغنياء المسلمين من أموال لغرض تجهيز الجيش.

ونظمت حكومة النبي صلّى الله عليه وسلّم المجتمع الإسلامي، فأقامته على أساس الحب والتكافل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واحترام الإنسان، وتطمين حاجاته الروحية والمادية حسب إمكانات الدولة آنذاك.

وكانت تقوم بجباية الزكاة عن طريق المصّدقين الذين يرسلون إلى القرى والبوادي، وعن طريق الولاة في المدن، وكانت الأموال المجموعة تنفق على الفقراء من مناطق الجباية، وما فضل منها يرسل إلى المدينة. واعتمدت الحكومة النبوية في مواردها المالية على أغنياء الصحابة الذين يبذلون الكثير من أموالهم في مواجهة حاجات الدولة، كالإنفاق على الجيوش، واستضافة الوافدين من خارج المدينة، وإعانة المحتاجين من المهاجرين، وبقية فقراء المسلمين من أهل الصفة. ولكن الدولة حازت على موارد دائمة عقب غزوة أحد، حيث أوصى الحبر اليهودي مخيريق بأمواله للنبي صلّى الله عليه وسلّم، وكانت سبع بساتين سخرت إيراداتها لسد نفقات المصالح العامة، فضلا عن نفقات النبي صلّى الله عليه وسلّم وآل بيته.

وقد ازدادت الأموال التي حازتها الدولة بعد فتح خيبر وأراضيها الزراعية الغنية. ولا شك في أن الغنائم التي حازها المسلمون في المعارك الكثيرة قد أسهمت في زيادة موارد الدولة، حيث كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يأخذ الخمس من الغنائم. غير أن الغنائم لم تكن تمثل ثروة كبيرة إلّا في غزوات معينة مثل غزوة هوازن.

وقد ساعدت تعاليم الإسلام الماليّة على ازدهار الحياة الإقتصادية من تجارة وصناعة وزراعة، وخاصة ما يتعلق من تلك التعاليم بحقوق التملك، وحرية العمل، وسيادة الأمن، وقيم العدل والوعد بالأجر الأخروي للتجار والصناع والزراع إذا ما أخلصوا النية في أعمالهم، وأتقنوا أداءها ونصحوا فيها.

وقد ظهر أثر التعاليم الإقتصادية الإسلامية بصورة أكثر جلاء في العصور التي تلت عصر السيرة، حيث إن السنوات العشر الأولى التي مضت على قيام الدولة الإسلامية، لم تكن كافية لتوضيح الآثار الإقتصادية للتعاليم الجديدة بصورة جليّة.

ولم تكن القيود الجديدة على النشاط الاقتصادي لتؤثر سلبا على تكون رؤوس الأموال، فالربا الذي حرّم منع تكدس الأموال بأيد قليلة، لكن السماح بتكوين رءوس أموال مشتركة لتمويل العمليات التجارية- مما كانت قريش تعرفه قبل الإسلام- عوض النقص في رءوس الأموال، كما أن تفتيت الثروة يساعد على زيادة القوة الشرائية في المجتمع، مما ينشط الحركة الإقتصادية. وكانت نصوص تحريم الربا، وتحريم الاحتكار، ونظام الميراث، والزكاة والحث على الصدقات تساعد على تفتيت الثروة وتداولها كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ «١» .


(١) القرآن الكريم- سورة الحشر، الآية/ ٧.