للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قصدا وسعيا.

وقوله: (ومن الكسل إلى التّشمير جدّا وعزما) : أي يفرّ من إجابة داعي الكسل إلى داعي العمل والتّشمير بالجدّ والاجتهاد. والجدّ ههنا هو صدق العمل، وإخلاصه من شوائب الفتور، ووعود التّسويف والتّهاون، وهو تحت السّين وسوف، وعسى ولعلّ، فهي أضرّ شيء على العبد، وهي شجرة ثمرها الخسران والنّدامات.

وقوله: (من الضّيق إلى السّعة ثقة ورجاء) :

يريد هروب العبد من ضيق صدره بالهموم والغموم والأحزان والمخاوف الّتي تعتريه في هذه الدّار من جهة نفسه. وما هو خارج عن نفسه ممّا يتعلّق بأسباب مصالحه، ومصالح من يتعلّق به، وما يتعلّق بماله وبدنه وأهله وعدوّه. يهرب من ضيق صدره بذلك كلّه إلى سعة فضاء الثّقة بالله تبارك وتعالى، وصدق التّوكّل عليه، وحسن الرّجاء لجميل صنعه به، وتوقّع المرجوّ من لطفه وبرّه.

وكلّما كان العبد حسن الظّنّ بالله، حسن الرّجاء له، صادق التّوكّل عليه، فإنّ الله لا يخيّب أمله فيه ألبتّة، فإنّه سبحانه لا يخيّب أمل آمل، ولا يضيّع عمل عامل. وعبّر عن الثّقة وحسن الظّنّ بالسّعة، فإنّه لا أشرح للصّدر، ولا أوسع له- بعد الإيمان- من ثقته بالله ورجائه له وحسن ظنّه به.

وبالجملة فصاحب هذا التّجريد: لا يقنع من الله بأمر يسكن إليه دون الله، ولا يفرح بما حصل له دون الله، ولا يأسى على ما فاته سوى الله، ولا يستغني برتبة شريفة، وإن عظمت عنده أو عند النّاس، فلا يستغني إلّا بالله. ولا يفتقر إلّا إلى الله.

ولا يفرح إلّا بموافقته لمرضاة الله. ولا يحزن إلّا على ما فاته من الله. ولا يخاف إلّا من سقوطه من عين الله.

واحتجاب الله عنه. فكلّه بالله، وكلّه لله، وكلّه مع الله، وسيره دائما إلى الله. وقد رفع له علمه فشمّر إليه.

وتجرّد له مطلوبه فعمل عليه، تناديه الحظوظ: إليّ، وهو يقول: إنّما أريد من إذا حصل لي حصل لي كلّ شيء، وإن فاتني فاتني كلّ شيء، فهو مع الله مجرّد عن خلقه، ومع خلقه مجرّد عن نفسه، ومع الأمر مجرّد من حظّه، أعني الحظّ المزاحم للأمر، وأمّا الحظّ المعين على الأمر: فإنّه لا يحطّه تناوله عن مرتبته، ولا يسقطه من عين ربّه.

وهذا أيضا موضع غلط فيه من غلط من الشّيوخ، فظنّوا أنّ إرادة الحظّ نقص في الإرادة.

والتّحقيق فيه: أنّ الحظّ نوعان: حظّ يزاحم الأمر، وحظّ يؤازر الأمر. فالأوّل هو المذموم، والثّاني ممدوح وتناوله من تمام العبوديّة، فهذا لون، وهذا لون «١» .

[للاستزادة: انظر صفات: التوبة- الخوف- الرغبة- العفة- الوقاية- العبادة- الهجرة- الرهبة- الذكر- الخوف- الخشية- الخشوع.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الأمن من المكر- التخاذل- الإعراض- العصيان- الوهن- الغافلة- الغرور- اتباع الهوى- اللهو واللعب] .


(١) مدارج السالكين (١/ ٥٠٤- ٥١٠) باختصار.