للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعرابيّا فأرخى زمام ناقته لتشرب، فأبى أن يدعه، فانتزع قباض «١» الماء، فرفع الأعرابيّ خشبته فضرب بها رأس الأنصاريّ فشجّه، فأتى عبد الله بن أبيّ رأس المنافقين فأخبره وكان من أصحابه، فغضب عبد الله ابن أبيّ ثمّ قال كما حكى القرآن الكريم ذلك: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا (المنافقون/ ٧) ، يعني الأعراب، وكانوا يحضرون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند الطّعام، فقال عبد الله: إذا انفضّوا من عند محمّد فأتوا محمّدا بالطّعام، فليأكل هو ومن معه، ثمّ قال لأصحابه كما حكى القرآن الكريم ذلك:

لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ (المنافقون/ ٨) قال زيد: وأنا ردف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال: فسمعت عبد الله بن أبيّ فأخبرت عمّي، فانطلق فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأرسل إليه «٢» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فحلف وجحد. قال: فصدّقه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبني.

قال: فجاء عمّي إليّ، فقال: ما أردت إلّا أن مقتك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكذّبك والمسلمون. قال: فوقع عليّ من الهمّ ما لم يقع على أحد. قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في سفر قد خفقت برأسي من الهمّ، إذ أتاني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فعرك أذني وضحك في وجهي، فما كان يسرّني أنّ لي بها الخلد في الدّنيا. ثمّ إنّ أبا بكر لحقني فقال: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قلت: ما قال شيئا، إلّا أنّه عرك أذني وضحك في وجهي. فقال:

أبشر، ثمّ لحقني عمر، فقلت له مثل قولي لأبي بكر، فلمّا أصبحنا قرأ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سورة المنافقين» ) * «٣» .

٢٢-* (عن أبي بكرة- رضي الله عنه- أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: كان إذا أتاه أمر «٤» يسرّه أو يسرّ به، خرّ ساجدا، شكرا لله- تبارك وتعالى-» ) * «٥» .

٢٣-* (عن عائشة- رضي الله عنها- زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا أراد أن يخرج سفرا، أقرع بين نسائه. فأيّتهنّ خرج سهمها، خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معه ... الحديث وفيه: قالت: فو الله ما رام «٦» رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مجلسه، ولا خرج من أهل البيت أحد، حتّى أنزل الله- عزّ وجلّ- على نبيّه صلّى الله عليه وسلّم.

فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء «٧» عند الوحي. حتّى إنّه ليتحدّر منه مثل الجمان «٨» من العرق، في اليوم الشّات، من ثقل القول الّذي أنزل عليه. قالت: فلمّا سرّي «٩» عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يضحك، فكان أوّل كلمة تكلّم بها أن قال: «أبشري يا عائشة، أمّا الله فقد برّأك» فقالت لي أمّي: قومي إليه. فقلت: والله لا أقوم إليه. ولا أحمد إلّا الله. هو الّذي أنزل براءتي. قالت:

فأنزل الله- عزّ وجلّ-: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ (٢٤/ النور/ ١١) عشر آيات. فأنزل الله- عزّ وجلّ- هؤلاء الآيات براءتي. قالت فقال أبو


(١) قباض الماء: بكسر القاف، والمراد به ما يقبض به الماء، ويمسك من الحجارة وغيرها.
(٢) فأرسل إليه: أي إلى عبد الله.
(٣) الترمذي (٣٣١٣) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وكذا رواه البيهقي عن الحاكم بن عبد الله بسندين قويين.
(٤) أمر: أي أمر عظيم، جليل القدر، رفيع المنزلة.
(٥) ابن ماجه (١٣٩٤) واللفظ له. والترمذي (١٥٧٨) وقال: هذا حديث حسن غريب. وأبو داود (٢٧٤٤) ، والدارقطني (١٥٧) ، والبيهقي (٢/ ٣٧٠) ، وأحمد (٥/ ٤٥) . والحديث بمجموع طرقه حسن. راجع الإرواء (٢/ ٢٢٦) .
(٦) ما رام: أي ما فارق.
(٧) البرحاء: هي الشدة.
(٨) ليتحدر مثل الجمان: أي يتصبب مثل الدرّ. شبهت قطرات عرقه صلّى الله عليه وسلّم بحبات اللؤلؤ في الصفاء والحسن.
(٩) سرّى: أي كشف وأزيل.