للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبالي أيّكم بايعت. لئن كان مسلمّا ردّه عليّ الإسلام، وإن كان نصرانيّا ردّه عليّ ساعيه، فأمّا اليوم فما كنت أبايع إلّا فلانا وفلانا» . قال الفربريّ قال أبو جعفر:

حدّثت أبا عبد الله فقال: سمعت أبا أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعيّ وأبو عمرو وغيرهما جذر قلوب الرّجال (الجذر الأصل من كلّ شيء. والوكت أثر الشّيء اليسير منه. والمجل أثر العمل في الكفّ إذا غلظ) * «١» .

١٦-* (عن المسور بن مخرمة- رضي الله عنهما- قال: قدمت على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أقبية «٢» ، فقال لي أبي مخرمة: انطلق بنا إليه عسى أن يعطينا منها شيئا.

فقام أبي على الباب فتكلّم، فعرف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم صوته، خرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «٣» ومعه قباء وهو يريه محاسنه وهو يقول «خبأت هذا لك، خبأت هذا لك» ) * «٤» .

١٧-* (عن ربيعة بن كعب الأسلميّ- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فأتيته بوضوئه وحاجته. فقال لي: «سل» . فقلت: أسألك مرافقتك في الجنّة. قال: «أو غير ذلك؟» . قلت: هو ذاك. قال: «فأعنّي على نفسك بكثرة السّجود» ) * «٥» .

١٨-* (عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: نهينا أن نسأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن شيء. فكان يعجبنا أن يجيء الرّجل من أهل البادية العاقل «٦» .

فيسأله ونحن نسمع. فجاء رجل من أهل البادية.

فقال: يا محمّد أتانا رسولك. فزعم «٧» لنا أنّك تزعم أنّ الله أرسلك؟ قال: «صدق» . قال: فمن خلق السّماء «٨» قال: «الله» . قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: «الله» . قال: فمن خلق الأرض؟

قال: «الله» . قال: فبالّذي خلق السّماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال. آلله أرسلك؟ قال: «نعم» . قال:

وزعم رسولك أنّ علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا.

قال: «صدق» . قال: فبالّذي أرسلك. آلله أمرك بهذا؟

قال: «نعم» قال: وزعم رسولك أنّ علينا زكاة في


(١) البخاري- الفتح ١١ (٦٤٩٧) .
(٢) الأقبية: جمع قباء وهو الثّوب الذي يلبس.
(٣) المعنى: فخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (انظر: الفتح ٥/ ٣١٥) .
(٤) البخاري- الفتح ٥ (٢٦٥٧) .
(٥) مسلم (٤٨٩) .
(٦) العاقل: لكونه أعرف بكيفية السؤال وآدابه والمهم منه. وحسن المراجعة. فإن هذه أسباب عظم الانتفاع بالجواب. ولأن أهل البادية هم الأعراب. ويغلب فيهم الجهل والجفاء. والبادية والبدو بمعنى. وهو ما عدا الحاضرة والعمران. والنسبة إليها بدوي. والبداوة الإقامة بالبادية. وهي بكسر الباء عند جمهور أهل اللغة.
(٧) زعم رسولك: قوله زعم وتزعم مع تصديق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إياه، دليل على أن زعم ليس مخصوصا بالكذب والقول المشكوك فيه. بل يكون أيضا في القول المحقق والصدق الذي لا شك فيه.
(٨) فمن خلق السماء.. الخ: هذه جملة تدل على أنواع من العلم. قال صاحب التحرير: هذا من حسن سؤال هذا الرجل وملاحة سياقته وترتيبه. فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو؟ ثم أقسم عليه به أن يصدقه في كونه رسولا للصانع. ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليه بحق مرسله وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رزين. ثم إن هذه الأيمان جرت للتأكيد وتقرير الأمر. لا لافتقاره إليها. كما أقسم الله تعالى على أشياء كثيرة.