للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأحوال الفئة المؤمنة عموما في قوله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ* وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ «١» .

وقد أجمع قادة المهاجرين على تأييد فكرة التقدم لملاقاة العدو «٢» . وبعد ذلك عاد النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: «أشيروا عليّ أيّها النّاس» وكان إنما يقصد الأنصار، لأنهم غالبية جنده، ولأن بيعة العقبة الثانية لم تكن في ظاهرها ملزمة لهم بحماية الرسول صلّى الله عليه وسلّم خارج المدينة. وقد أدرك الصحابي سعد بن معاذ، وهو حامل لواء الأنصار، مقصد النبي صلّى الله عليه وسلّم من ذلك فنهض قائلا: «والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟» قال صلّى الله عليه وسلّم: «أجل» ، قال: «لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلّف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوّنا غدا، إنا لصبر في الحرب، صدق عند اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تقرّ به عينك، فسر على بركة الله» «٣» .

سرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم من مقالة سعد بن معاذ، ونشّطه ذلك، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «سيروا وأبشروا، فإنّ الله تعالى قد وعدني إحدى الطّائفتين. والله لكأنّي أنظر إلى مصارع القوم» «٤» .

نظّم النبي صلّى الله عليه وسلّم جنده، بعد أن رأى طاعة الصحابة وشجاعتهم واجتماعهم على القتال، وعقد اللواء الأبيض وسلمه إلى مصعب بن عمير، وأعطى رايتين سوداوين إلى سعد بن معاذ، وعلي بن أبي طالب، وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة «٥» .

وحصل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على معلومات كثيرة عن موقع الجيش المكي، ومن به من الأشراف، واستنتج عدد أفراده من معرفته لعدد ما ينحر لهم يوميّا من الجمال وتوجّه صلّى الله عليه وسلّم لقومه قائلا: «هذه مكّة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها» «٦» .

وقد ظهر الخلاف بين زعماء قريش، فقد حاول عتبة بن ربيعة أن يثني قومه عن القتال محذرا من مغبته وخاصة أن بين الفريقين أرحام موصولة، غير أن أبا جهل خطّل رأيه واتهمه بالجبن «٧» .

أنزل الله تعالى في ليلة بدر على المؤمنين نعاسا أمنهم وأراحهم، ومطرا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان وربط على قلوبهم وثبّت به أقدامهم، قال تعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ


(١) القرآن الكريم- سورة الأنفال، الآيات/ ٥- ٨.
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٣٩٥٢) ، أحمد- المسند ٥/ ٢٥٩، ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٠٥.
(٣) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٠٤ (حديث ١٧٧٩) ، ابن كثير- البدآية ٣/ ٣٥١.
(٤) ابن كثير- البدآية ٣/ ٢٦٢- ٣ بإسناد صحيح، وذكر الحافظ ابن كثير أن له شواهد في وجوه كثيرة إذ رواه البخاري والنسائي والإمام أحمد (فتح الباري- ٧/ ٢٨٧) ، وأحمد- المسند ٥/ ٢٥٩ (حديث ٣٦٩٨) .
(٥) ابن القيم- زاد المعاد ٢/ ٨٥.
(٦) مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٠٤، كما ورد في السيرة النبوية لابن هشام بروآية ابن إسحاق.
(٧) أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٤٣، الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ٧٦، ابن كثير- البدآية ٣/ ٢٩٥- ٦.