للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اليتيم شرعا هو الصّغير الّذي فقد أباه «١» ، فإنّ كفالة اليتيم حينئذ تكون: القيام بأمر الطّفل الصّغير ورعاية مصالحه وتربيته والإحسان إليه حتّى يبلغ مبلغ الرّجال إن كان ذكرا أو تتزوّج إن كان بنتا.

[كفالة اليتيم ترقق القلب:]

لقد كان عليه الصّلاة والسّلام في نور نبوّته، وجلال رحمته يضمّ إصبعيه السّبّابة والوسطى، ويقول:

«أنا وكافل اليتيم في الجنّة كهاتين» ويقول: «امسح رأس اليتيم ... » «٢» . إنّه إنسان مقرور يهرؤه فقد الحنان، امسح رأسه، اقترب منه، ابتسم له، طيّب خاطره، أدخل البهجة على روحه الظّامئة، بكلمة، بلمسة، ببسمة، إنّ العلاقات الإنسانيّة تحقّق كلّ مجد لها حين تضفي على هذا اليتيم المحروم من حنانها ودفئها «٣» .

محمد صلّى الله عليه وسلّم خير المكفولين:

في سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم ما تطيب به خواطر اليتامى في كلّ زمان ومكان فقد توفّي والده قبل أن يولد ونشأ في كفالة جدّه عبد المطّلب يلقى من الرّعاية والعناية ما يعوّضه عن فقد أبيه، يقول ابن إسحاق:

وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع جدّه عبد المطّلب بن هاشم، وكان يوضع لعبد المطّلب فراش في ظلّ الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك، حتّى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالا له، قال: (ابن إسحاق) : فكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يأتي وهو غلام جفر، حتّى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه، ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطّلب إذا رأى منهم ذلك: دعوا ابني، فو الله، إنّ له لشأنا، ثمّ يجلسه معه على الفراش، ويمسح ظهره بيده، ويسرّه ما يراه يصنع «٤» . وبعد أن توفّي عبد المطّلب وعمره صلّى الله عليه وسلّم قد جاوز الثّماني سنوات بقليل، انتقلت كفالته- أخذا بوصيّة جدّه- إلى عمّه الشّقيق أبي طالب «٥» ، فنهض أبو طالب بحقّ ابن أخيه على أكمل وجه وضمّه إلى ولده، وقدّمه عليهم واختصّه بفضل احترام وتقدير، فكان لا ينام إلّا وهو إلى جواره ويصطحبه معه ما أمكنته الصّحبة «٦» .

لقد كانت العرب تعرف ذلك وتحدّث به، وتعرف من وفاء الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لمن قام بكفالته ما جعل خطيب وفد هوازن يخاطبه مستشفعا في أموال هوازن ونسائها قائلا: يا رسول الله: إنّما في الحظائر عمّاتك


(١) القاموس الفقهي لسعدي أبو جيب (٣٢٢) ، ويقصد بالصغر عدم بلوغ الحلم في الذكور وعدم الزواج في الإناث.
(٢) انظر الحديث رقم (١) ورقم (٦) .
(٣) كما تحدث الرسول- للأستاذ خالد محمد خالد (٢/ ٢٠٤- ٢٠٥) .
(٤) السيرة النبوية لابن هشام (١/ ١٩٤) .
(٥) انظر: خاتم النبيين للشيخ أبي زهرة (١/ ١٦٦) ، والرحيق المختوم للمباركفوري (٦٦) ، وقارن بالمراجع التي ذكرت هناك.
(٦) المرجعان السابقان نفسهما، والصفحات نفسها.