للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشرقية «١» . وقد انسحب من جيش المسلمين المنافق عبد الله بن أبيّ بن سلول وثلاثمائة من أتباعه المنافقين، بدعوى أنه لن يقع قتال مع المشركين، ومعترضا على قرار الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالخروج من المدينة لملاقاة المشركين بقوله «أطاع الولدان ومن لا رأي له، أطاعهم وعصاني، علام نقتل أنفسنا» «٢» . وقد انقسم الصحابة في مسألة قتال هؤلاء المنافقين «٣» ، فأنزل الله تعالى: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا «٤» .

وقد حاول الصحابي عبد الله بن عمرو بن حرام تدارك الأمر فلحق بالمنافقين المنسحبين، وحاول إقناعهم بضرورة نصرة نبيهم وقومهم، غير أنهم أصروا على موقفهم، وقالوا له: «لو نعلم أنكم تقاتلون ما أسلمناكم» ، وبعد أن يئس عبد الله منهم سأل الله أن يبعدهم، وأن يغني الله نبيه عنهم «٥» ، وقد أشار القرآن إلى ذلك في قوله تعالى: وَما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ «٦» .

وكاد بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، وهما طائفتان من المسلمين، أن يتخاذلا وينسحبا مع المنافقين، وفكروا جديّا في التراجع إلى المدينة، لولا أن الله تعالى أنقذهم وثبّت قلوبهم مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم ومع إخوانهم المؤمنين «٧» ، وفيهم قال تعالى: إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ «٨» .

عسكر الجيش الإسلامي في منطقة الشيخين حيث استعرض الرسول صلّى الله عليه وسلّم المتطوعين من صغار السن فرد منهم أربعة عشر صبيّا «٩» ، ثم تقدم الجيش بعد ذلك إلى ميدان أحد حيث اتخذ مواقعه وفق الخطة المحكمة التي وضعها الرسول صلّى الله عليه وسلّم؛ فقد نظّم صلّى الله عليه وسلّم صفوف جيشه بحيث أنه حمى ظهر المسلمين بالجبل وهم يستقبلون عدوهم «١٠» ، وجعل خمسين من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير فوق تل عينين المقابل لجبل أحد بقصد منع المشركين من تطويق


(١) ابن هشام- السيرة ٣/ ٨- ١٢.
(٢) البخاري- الصحيح (حديث ٤٠٥٠) ، ابن هشام- السيرة ٢/ ٩٢، الواقدي- مغازي ١/ ٢١٩، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٩، البيهقي- دلائل ٣/ ٢٠٨.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح حديث ٤٠٥٠) ، الطبري- تفسير ٩/ ٧- ٩.
(٤) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ ٨٨.
(٥) ابن هشام- السيرة ٣/ ٩.
(٦) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآيات/ ١٦٦- ١٦٧.
(٧) البخاري- الصحيح (حديث ٤٠٥١) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٩٤٨ (حديث ٢٥٠٥) ، ابن هشام- السيرة ٣/ ١٥٤، الطبري- تفسير ٧/ ١٦٦، البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ٢٢٠- ٢٢.
(٨) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ١٢٢.
(٩) البخاري- فتح الباري ٥/ ٢٧٦، مسلم الصحيح ٢/ ١٤٢.
(١٠) البخاري- الصحيح (حديث ٣٠٣٩) ، أحمد- المسند ٤/ ٢٠٩.