للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التّمييز فشاهده قول الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها (الزمر/ ٤٢) ، فالنّفس هي الّتي تزول بزوال الحياة، والنّفس الثّانية هي الّتي تزول بزوال العقل، وأمّا النّفس بمعنى الدّم فشاهده قول السّموأل:

تسيل على حدّ الظّبات نفوسنا ... وليست على غير الظّبات تسيل

وأمّا النّفس بمعنى الأخ فشاهده قول الله تعالى: فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ (النور/ ٦١) .

وقال ابن الأنباريّ: النّفس: الغيب، لأنّ النّفس لمّا كانت غائبة أوقعت على الغيب، كأنّه قال:

تعلم غيبي يا علّام الغيوب.

والعرب قد تجعل النّفس الّتي يحصل بها التّمييز نفسين، وذلك أنّ النّفس قد تأمر بالشّيء وتنهى عنه، وذلك عند الإقدام على أمر مكروه، فجعلوا الّتي تأمره نفسا، وجعلوا الّتي تنهاه كأنّها نفس أخرى.

والنّفس يعبّر بها عن الإنسان جميعه، كقولهم عندي ثلاثة أنفس، وذلك كما في قوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ (الزمر/ ٥٦) وروي عن ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لكلّ إنسان نفسان: إحداهما نفس العقل الّذي يكون به التّمييز، والأخرى: نفس الرّوح الّذي به الحياة، وقال بعض اللّغويّين: النّفس والرّوح واحد، وقال آخرون:

هما متغايران إذ النّفس هي الّتي بها العقل، والرّوح هي الّتي بها الحياة، وسمّيت النّفس نفسا لتولّد النّفس منها واتّصاله بها، كما سمّوا الرّوح روحا لأنّ الروح موجود بها.

ومن معاني النّفس أيضا: العظمة والكبر، والعزّة، والهمّة، وعين الشّيء وكنهه وجوهره، والأنفة، والعين (الّتي تصيب المعين أي من أصابته العين الحاسدة) «١» .

[النفس اصطلاحا:]

النّفس: هي الجوهر البخاريّ اللّطيف الحامل لقوّة الحياة والحسّ والحركة الإراديّة «٢» .

[أنواع النفس:]

١- النّفس الأمّارة: وهي الّتي تميل إلى الطّبيعة البدنيّة وتأمر باللّذّات والشّهوات الحسّيّة، وتجذب القلب إلى الجهة السّفليّة، فهي مأوى الشّرور، ومنبع الأخلاق الذّميمة (وهذه هي النّفس الّتي يجب مجاهدتها) .

٢- النّفس اللّوّامة: وهي الّتي تنوّرت بنور القلب قدر ما تنبّهت به عن سنة الغفلة، وكلّما صدرت عنها سيّئة بحكم جبلّتها أخذت تلوم نفسها.

٣- النّفس المطمئنّة: وهي الّتي تمّ تنوّرها بنور القلب، حتّى انخلعت عن صفاتها الذّميمة وتخلّقت بالأخلاق الحميدة «٣» .

وقال الجاحظ: وللنّفس ثلاث قوى وهي تسمّى أيضا نفوسا، وهي:

النّفس الشّهوانيّة: ويشترك فيها الإنسان وسائر الحيوان.

النّفس الغضبيّة: وهي أيضا قاسم مشترك بين


(١) انظر الصحاح (٣/ ٩٨٤) ، والمقاييس (٥/ ٤٦٠) ، ولسان العرب (٦/ ٢٣٣- ٢٣٧) ط. بيروت.
(٢) التعريفات للجرجاني (٢٦٢) .
(٣) التعريفات (٢٦٣) (بإيجاز وتصرف يسير) ، وهناك أقسام أخرى ذكرها الجرجاني إلا أنها لا تتعلق بما نحن فيه مثل النفس النباتية والإنسانية والناطقة الخ.