للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإنسان والحيوان.

النّفس النّاطقة: وهي الّتي يتميّز بها الإنسان على سائر الحيوان «١» .

[مجاهدة النفس اصطلاحا:]

محاربة النّفس الأمّارة بالسّوء بتحميلها ما يشقّ عليها بما هو مطلوب في الشّرع «٢» .

وقال المناويّ: وقيل (المجاهدة) هي حمل النّفس على المشاقّ البدنيّة ومخالفة الهوى، وقيل: هي بذل المستطاع في أمر المطاع (أي المولى- عزّ وجلّ) «٣» .

[منزلة مجاهدة النفس:]

قال ابن علّان: المجاهدة: مفاعلة من الجهد:

أي الطّاقة، فإنّ الإنسان يجاهد نفسه باستعمالها فيما ينفعها حالا ومآلا، وهي تجاهده بما تركن إليه «٤» .

قال ابن حجر- رحمه الله- في قوله- يعني البخاري- (باب من جاهد نفسه في طاعة الله- عزّ وجلّ-) : يعني بيان فضل من جاهد، والمراد بالمجاهدة: كفّ النّفس عن إرادتها من الشّغل بغير العبادة.

وقال ابن بطّال: جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال الله تعالى: وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى (النازعات/ ٤٠) . ويقع بمنع النّفس عن المعاصي، وبمنعها من الشّبهات، وبمنعها من الإكثار من الشّهوات المباحة لتتوفّر لها في الآخرة. قلت: ولئلّا يعتاد الإكثار فيألفه فيجرّه إلى الشّبهات، فلا يأمن أن يقع في الحرام.

[كيفية المجاهدة:]

وعن أبي عمرو بن بجيد: من كرم عليه دينه هانت عليه نفسه. قال القشيريّ: أصل مجاهدة النّفس فطمها عن المألوفات، وحملها على غير هواها.

وللنّفس صفتان: انهماك في الشّهوات، وامتناع عن الطّاعات، فالمجاهدة تقع بحسب ذلك. قال بعض الأئمّة: جهاد النّفس داخل في جهاد العدوّ، فإنّ الأعداء ثلاثة: رأسهم الشّيطان، ثمّ النّفس لأنّها تدعو إلى اللّذّات المفضية إلى الوقوع في الحرام الّذي يسخط الرّبّ، والشّيطان هو المعين لها على ذلك ويزيّنه لها. فمن خالف هوى نفسه قمع شيطانه، فمجاهدة نفسه حملها على اتّباع أوامر الله واجتناب نواهيه. وإذا قوي العبد على ذلك سهل عليه جهاد أعداء الدّين، فالأوّل: الجهاد الباطن والثّاني: الجهاد الظّاهر. وجهاد النّفس أربع مراتب: حملها على تعلّم أمور الدّين، ثمّ حملها على العمل بذلك، ثمّ حملها على تعليم من لا يعلم، ثمّ الدّعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه. وأقوى المعين على جهاد النّفس جهاد الشّيطان بدفع ما يلقي إليه من الشّبهة والشّكّ، ثمّ تحسين ما نهي عنه من المحرّمات، ثمّ ما يفضي الإكثار منه إلى الوقوع في الشّبهات، وتمام المجاهدة أن يكون متيقّظا لنفسه في جميع أحواله، فإنّه متى غفل عن ذلك استهواه شيطانه ونفسه إلى الوقوع في المنهيّات وبالله التّوفيق «٥» .

وقال الغزاليّ- رحمه الله-: قد اتّفق العلماء


(١) تهذيب الأخلاق للجاحظ (ص ١٥) .
(٢) كتاب التعريفات (٢٠٤) .
(٣) التوقيف (ص ٢٩٧) ، وقد ذكر تعريفات أخرى أقرب إلى تجليات الصوفية.
(٤) دليل الفالحين (١/ ٣٠٢) .
(٥) فتح الباري (١١/ ٣٤٥- ٣٤٦) .