للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تألهه القلوب. أي تحبّه وتذلّ له «١» .

ثانيا: محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

إنّ محبّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم هي دليل الإيمان الصّادق مصداقا لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ماله وولده والنّاس أجمعين» وليس هذا الحبّ مجرّد عاطفة جوفاء، وإنّما هو حبّ حقيقيّ نابع من القلب ومن العقل معا ودليل صدق تلك المحبّة هو اتّباع المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في كلّ ما أمر به، أو نهى عنه، فالمحبّ مطيع دائما لمن يحبّه ولذلك قيل:

لو كان حبّك صادقا لأطعته ... إنّ المحبّ لمن يحبّ مطيع

واتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وطاعته هما الدّليل على محبّة الله تعالى، يقول أبو سليمان الدّارانيّ: لمّا ادّعت القلوب محبّة الله، أنزل الله لها محنة (أي اختبارا) هي قوله سبحانه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ (آل عمران/ ٣١) فقوله يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ إشارة إلى دليل المحبّة وثمرتها فدليلها، اتّباع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وثمرتها محبّة المرسل لكم (وهو المولى عزّ وجلّ) فما لم تحصل المتابعة فليست محبّتكم له حاصلة ومحبّته لكم منتفية «٢» .

[ثالثا: محبة الخلق:]

لمحبّة الخلق أنواع عديدة أفضلها محبّة المؤمن لأخيه في الله تعالى أي حبّا خالصا لا منفعة من وراءه، وقد أشار ابن حزم إلى هذا النّوع من المحبّة (أي محبّة الخلق) فقال: إنّ المحبّة ضروب فأفضلها محبّة المتحابّين في الله- عزّ وجلّ-: إمّا لاجتهاد في العمل، وإما لاتّفاق في أصل النّحلة والمذهب، وإمّا لفضل علم يمنحه الإنسان، ومحبّة القرابة، ومحبّة الألفة، ومحبّة الاشتراك في المطالب، ومحبّة التّصاحب والمعرفة، ومحبّة البرّ يضعه المرء عند أرضه، ومحبّة الطّمع في جاه المحبوب، ومحبّة المتحابّين بسرّ يجتمعان عليه يلزمهما ستره، ومحبّة بلوغ اللّذّة، وقضاء الوطر، ومحبّة العشق الّتي لا علّة لها إلّا اتّصال النّفوس «٣» .

إنّ محبّة الخلق بعضهم بعضا في الله تعالى، إنّما هي نابعة في الحقيقة من محبّة العبد لله تعالى، وجالبة لمحبّته سبحانه لهذا العبد، وإذا أحبّ الله عبدا جعله من المحبوبين بين خلقه، يقول العلّامة ابن تيميّة: إنّك إذا أحببت الشّخص لله كان الله هو المحبوب لذاته فكلّما تصوّرته في قلبك، تصوّرت محبوب الحقّ فأحببته، فازداد (بذلك) حبّك لله (انظر الأثر ٩) «٤» ، أمّا ثمرة هذا الحبّ في الله فهي عديدة ومتنوّعة نشير إليها في فوائد المحبّة (انظر ص ٣٣٥٦) .

[فضيلة المحبة ومنزلتها:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: هي المنزلة الّتي فيها تنافس المتنافسون. وإليها شخص العاملون.

وإلى علمها شمّر السّابقون. وعليها تفانى المحبّون.

وبروح نسيمها تروّح العابدون. فهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح. وقرّة العيون. وهي الحياة الّتي من حرمها فهو من جملة الأموات. والنّور الّذي من فقده فهو في بحار الظّلمات. والشّفاء الّذي من عدمه حلّت بقلبه جميع الأسقام. واللّذّة الّتي من لم يظفر بها فعيشه


(١) مدارج السالكين (٣/ ٢٢) مختصرا. وانظر بصائر ذوي التمييز (٢/ ٤١٦- ٤٢٢) .
(٢) مدارج السالكين (٣/ ٢٢) . وانظر في فوائد محبة الرسول صلّى الله عليه وسلّم وثمرتها، المقدمة صفحة (ك ب) .
(٣) طوق الحمامة (٦٣) .
(٤) انظر أيضا صفتي: الاتباع والإيمان في هذه الموسوعة.