للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على وجه الدّقة التّطابق بين الأسماء والضّمائر الّتي ترجع إليها، ولم تعد الأمانة المعروضة كما هي وصار من اللّازم اللّجوء إلى فكرة بعيدة «١» حتّى يتقرّر للكائنات غير العاقلة نوع من الالتزام أو المسئوليّة.

[أنواع المسئولية:]

١- المسئوليّة الدّينيّة: وهي التزام المرء بأوامر الله ونواهيه، وقبوله في حال المخالفة لعقوبتها ومصدرها الدّين.

٢- المسئوليّة الاجتماعيّة: هي التزام المرء بقوانين المجتمع ونظمه وتقاليده.

وقيل: هي المسئوليّة الذّاتيّة عن الجماعة، وتتكوّن من عناصر ثلاثة هي: الاهتمام والفهم والمشاركة «٢» .

٣- المسئوليّة الأخلاقيّة: هي حالة تمنح المرء القدرة على تحمّل تبعات أعماله وآثارها، ومصدرها الضّمير «٣» .

وكلّ مسئوليّة قبلناها، وارتضينا الالتزام بها فهي مسئوليّة أخلاقيّة بدليل:

أ- أنّ القرآن يقدّم المسئوليّة الدّينيّة ذاتها في صورة أخلاقيّة محضة حين تحايل بعض النّاس على التّخلّص من بعض تعاليم الصّوم سرّا: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ (البقرة/ ١٧٨) .

ب- أنّ القرآن لا يكتفي بتذكير النّاس في كثير من الأحيان بالأمر الإلهيّ، وإنّما يذكّرهم بالعهد الّذي قطعوه على أنفسهم، يقول الله تعالى: وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (الحديد/ ٨) . وقوله تعالى:

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (المائدة/ ٧) .

[مدى شمولها:]

قرّر القرآن أنّ شرط هذه المسئوليّة الشّمول:

١- من ناحية الفرد يقول الله تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ (الحجر/ ٩٢ ٩٣) . فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (الأعراف/ ٦) .

٢- من ناحية الأعمال الخيّرة والشّرّيرة صغيرة وكبيرة.. ظاهرة وخفيّة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (الزلزلة/ ٧- ٨) .

٣- من ناحية الأقوال والألفاظ سرّها ونجواها. يقول الله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (ق/ ١٨) .


(١) انظر في هذه الفكرة المجازية التي يمكن الاستغناء عنها، تفسير القرطبي ١٤/ ٢٥٦، بتلخيص وتصرف عن دستور الأخلاق في القرآن ص ١٣٨ هامش ٢
(٢) انظر فى تفصيل: ذلك المسئولية الاجتماعية والشخصية المسلمة للدكتور أحمد سيد عثمان (٢٦٩) .
(٣) جمع الدكتور دراز بين النوعين الأول والثالث وتحدث بإفاضة عن شروط هذه المسئولية وخلاصتها: أن يكون العمل شخصيّا، إفراديّا، ثم أداؤه بحرية وأن يكون على وعي كامل ومعرفة بالشرع. انظر فى تفصيل ذلك دستور الأخلاق فى القرآن (١٤٨- ٢٢٢) .