للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيسامح بالمتاركة، ويستصلح بالمعاتبة، لأنّ المسامحة والاستصلاح إذا اجتمعا، لم يلبث معهما نفور، ولم يبق معهما وجد، وقد قال بعضهم: لا تكثرنّ معاتبة إخوانك فيهون عليهم سخطك «١» .

[المصارحة لغة:]

المصارحة مصدر قولهم: صارحه بكذا إذا صرّح له بما في نفسه أي أظهره، وهي مأخوذة من مادّة (ص ر ح) الّتي تدلّ على ظهور الشّيء وبروزه، ومن ذلك الشّيء الصّريح (أي الخالص) ، وكلّ خالص صريح، يقال هو بيّن الصّراحة والصّروحة «٢» ، والصّريح اللّبن إذا ذهبت رغوته، وجاء بنوا تميم صريحة: إذا لم يخالطهم غيرهم ويقال: انصرح الحقّ أي بان، وشتمت فلانا مصارحة، أي كفاحا ومواجهة، والتّصريح خلاف التّعريض، ويوم مصرّح أي ليس فيه سحاب، وفي المثل: صرّح الحقّ عن محضه أي انكشف «٣» ، وقال ابن منظور: الصّرح والصّريح والصّراح والصّراح والصّراح المحض الخالص من كلّ شيء «٤» ، وفي حديث ابن عبّاس- رضي الله عنهما- أنّه سئل متى يحلّ شراء النّخل؟ قال: حين يصرّح. قيل:

وما التّصريح؟ قال: حين يستبين الحلو من المرّ، والتّصريح ضدّ الكناية «٥» ، وفي المثل: ظهر الصّريح بجانب المتن، يضرب هذا للأمر الّذي وضح، ويقال صرّح فلان ما في نفسه (تصريحا) ، وصارح (غيره به) مصارحة إذا أبدى ما في نفسه وأظهره «٦» .

[المصارحة اصطلاحا:]

لم تذكر كتب المصطلحات الّتي وقفنا عليها «المصارحة» مصطلحا ومن ثمّ تكون باقية على أصل معناها الّذي ذكره اللّغويّون وهو: أن يظهر كلّ متحدّث للآخر رأيه واضحا جليّا دون لبس أو غموض.

أمّا التّصريح عند علماء البلاغة فهو ما ليس بكناية أو تعريض والمراد بالكناية أن تعبّر عن الشّيء وأنت تريد لازم معناه دون أن تصرّح بذلك المعنى كقولك: فلان كثير الرّماد تريد كونه كريما، أمّا التّعريض فهو أن تستعمل اللّفظ في معناه لكي تلوّح به إلى غيره كأن تخاطب شخصا بشيء وأنت تريد اتّصاف غيره به (إيّاك أعني واسمعي يا جارة) ، ولكلّ من التّصريح والكناية والتّعريض موطنه الّذي يستعمل فيه ومقامه الّذي يتطلّبه وإذا استعمل في غير ذلك كان غير مطلوب.

[للاستزادة: انظر صفات: الإخاء- التذكير- التودد- الصدق- النصيحة- الوعظ- الإرشاد- المحبة.

وفي ضد ذلك: الإهمال- الجفاء- الحقد- الهجر الإعراض- التفريط والإفراط- التهاون- البغض النفاق- الرياء] .


(١) أدب الدنيا والدين (١٧٩) بتصرف واختصار.
(٢) مقاييس اللغة لابن فارس (٣/ ٣٤٧) .
(٣) الصحاح للجوهري (١/ ٣٨٢) .
(٤) لسان العرب ص ٢٤٢٥ (ط. دار المعارف) .
(٥) النهاية لابن الأثير (٣/ ٢٠) ، والصّراحة في القول أشبه بذلك إذ عندما يستبين الحلو من المر في الحوار الصرح الصادق بين الأطراف المعنية بأمر ما.
(٦) اللسان ص ٢٤٢٥ (ط. دار المعارف) .