للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليهم وهم غارّون، وكانت أنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم وغنم أموالهم «١» . ولم تتفق الروايات في عدد القتلى ومقدار السبي والأموال سوى ما ذكره ابن إسحاق من عتق «مائة أهل بيت من بني المصطلق» «٢» ، في حين يذكر الواقدي بأنه قد قتل عشرة من بني المصطلق وأسر سائرهم «فما أفلت منهم إنسان» «٣» .

وعاد النبي صلّى الله عليه وسلّم من هذه الغزوة إلى المدينة هلال رمضان، بعد أن غاب عنها ثمانية وعشرين يوما «٤» .

وفي هذه الغزوة كشف المنافقون عن مدى حقدهم على الإسلام والمسلمين، فقد ازدادوا غيظا بالنصر الذي تحقق على بني المصطلق، وسعوا في بادىء الأمر إلى إثارة العصبية القبلية بين المهاجرين والأنصار «٥» . فلما فشلت المحاولة، عمل عبد الله بن أبي بن سلول على عرقلة جهود الرسول صلّى الله عليه وسلّم في الدعوة، وعلى منع الأموال من أن تدفع لأجل ذلك بغية أن ينفض الناس من حول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتوعد بإخراجه ذليلا من المدينة عند العودة إلى المدينة «٦» .

وحين استدعى النبي صلّى الله عليه وسلّم عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه المنافقين حين علم بما قالوا، واستفسر منهم عن الأمر، فإنهم أنكروا ذلك وحلفوا بأنهم ما قالوا شيئا، ثم أنزل الله تعالى سورة المنافقين وفيها تكذيب لهم «٧» ، وفضح لأيمانهم الكاذبة «٨» وتأكيد وتصديق لما نقله الصحابي زيد بن أرقم، وذلك في قوله تعالى: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ* يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ «٩» .

ولقد ضعف مركز عبد الله بن أبي بن سلول في قومه بعد هذه الحادثة، فقد أصبحوا يعنفونه ويلومونه كلما أخطأ، واحتقره المسلمون، وفقد مكانته «١٠» ، حتى إن ابنه عبد الله استأذن النبي صلّى الله عليه وسلّم في قتله، فنهاه الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن ذلك وأمره بأن يبره ويحسن صحبته «١١» . وقد أقدم مع شدة برّه بأبيه وهيبته له، على منعه من دخول المدينة


(١) البخاري- الصحيح ٣/ ١٢٩، مسلم- الصحيح ٥/ ١٣٩.
(٢) ابن إسحاق- السيرة ١/ ٣٣٦٢٤٥، ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٩٣- ٤، ٦٤٥.
(٣) الواقدي- المغازي ١/ ١٤٠، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٤ ويذكر الواقدي أن الغنائم كانت ألفي بعير وخمسة آلاف شاة، وأن السبي كان مائتي أهل بيت. وأورد الزرقاني رواية له أن السبي أكثر من سبعمائة (شرح المواهب اللدنية ٣/ ٢٤٥) .
(٤) الواقدي- مغازي ١/ ٤٠٤.
(٥) البخاري- الصحيح ٤/ ١٤٦، ٦/ ١٢٨، مسلم- الصحيح ٨/ ١٩.
(٦) سمع ذلك الصحابي زيد بن أرقم فنقله إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم إما عن طريق عمه سعد بن عبادة، أو عمر بن الخطاب، انظر في ذلك: الإمام أحمد- المسند ٣/ ٣٩٢- ٣٩٣ بإسناد صحيح، فتح الباري ٨/ ٦٤٩، الترمذي- السنن ٥/ ٩٠.
(٧) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ ١.
(٨) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ ٢.
(٩) القرآن الكريم- سورة المنافقون، الآية/ ٧- ٨.
(١٠) ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٩٠- ٢٩٣ ويؤيد ذلك أحد المراسيل الجيدة لعروة بن الزبير (فتح الباري ٨/ ٦٤٩) وأصله في الصحيحين البخاري- الفتح ٦/ ١٢٧، مسلم- الصحيح ٨/ ١١٩.
(١١) الهيثمي- مجمع الزوائد ٩/ ٣١٨.