للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن أعلن نقض اليهود للعهد، وشاع الخبر بين المسلمين خافوا على ذراريهم من اليهود «١» . ووصف القرآن الكريم حالة المسلمين بقوله تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا* هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً «٢» .

والآية تشير إلى قوات الأحزاب وبني قريظة، كما تعكس حال المنافقين الذين ظنوا بالله الظنون، أما المؤمنون فقد أصابهم البلاء وزلزوا زلزالا شديدا غير أن الإيمان العميق والتربية النبوية، جعلتهم يصمدون أمام سائر تلك الأخطار. فبادروا إلى تسيير دوريات لحراسة المدينة تطوف فيها على الدوام وتظهر التكبير لإشعار بني قريظة بوجودهم واستعدادهم ويقظتهم «٣» .

أما الأحزاب فقد فوجئوا بالخندق واحتاروا في كيفية اجتيازه، وكانوا كلما همّوا باقتحامه واجهوا سيلا من سهام المسلمين، واشتد الحصار وتواصل طيلة أربع وعشرين ليلة «٤» ، وكانت هجمات المشركين متواصلة حتى إن الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين أخّروا صلاة العصر في أحد الأيام إلى ما بعد المغرب «٥» بسبب ذلك. ورغم طول وشدة الحصار فقد كانت خسائر الطرفين محدودة فقد استشهد ثمانية من المسلمين «٦» . وقتل أربعة من المشركين «٧» .

وحيث إن أهداف المشاركين في قوات الأحزاب من المشركين لم تكن واحدة، فقد نجم عن طول فترة الحصار حصول ضعف حاد في معنويات المشاركين في الحرب. وقد وردت في كتب السير والمغازي مرويات لا تثبت من الناحية الحديثية عن دور نعيم بن مسعود الغطفاني في تخذيل الأحزاب وشق صفوفهم، وإلقاء الشكوك بينهم، وخداعه لهم وهي على كل حال، لا تتنافي- إن تأكد حصولها- مع قواعد السياسة الشرعية ذلك أن الحرب خدعة «٨» .

وقد ثبت أن الله تعالى قد نصر المسلمين بالريح والملائكة «٩» ، وذلك ما نص عليه الكتاب العزيز في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ


(١) ابن كثير- البدآية ٤/ ١٠٣.
(٢) القرآن الكريم- الأحزاب، الآيات/ ١٠- ١١.
(٣) ذكر ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٧ أن الصحابي مسلمة بن أسلم الأوسي كان يقود مائتي رجل، وزيد بن حارثة كان يقود ثلاثمائة رجل كانوا يدورون بالمدينة ويحرسونها.
(٤) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٧٣، الطبري- تفسير ٢١/ ١٢٨، ابن حجر- فتح الباري ٧/ ٣٩٣.
(٥) ابن حجر- فتح الباري ٢/ ٦٨، ٥/ ٩٢.
(٦) من روآية ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة ٣/ ٢٥٣) معلّقا، الواقدي- المغازي ٢/ ٤٩٥- ٤٩٦، وقد ذكرا الأسماء والانتماء والعدد، وانظر: ابن سعد- الطبقات ٢/ ٧٠.
(٧) ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٢٤، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٦٨، وانظر: الطبري- تاريخ ٣/ ٤٨.
(٨) ابن هشام- السيرة ٢/ ٢٢٩- ٢٣٠، الواقدي- المغازي ٢/ ٤٨١- ٢، ابن كثير- البدآية ٤/ ١١٣.
(٩) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٧١، البيهقي- دلائل النبوة ٣/ ٤٠٦.