للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً «١» .

وهكذا فقد خرج النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه من المهاجرين والأنصار وبلغ عددهم ألفا وأربعمائة رجل «٢» ، حملوا معهم سلاحهم توقعا لشر قريش «٣» . وكانوا مستعدين للقتال «٤» .

صلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون بذي الحليفة، وأهلّوا معه محرمين بالعمرة «٥» ، وساقوا الهدي معهم سبعين بدنة «٦» ، وبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بالصحابي بسر بن سفيان الخزاعي عينا إلى مكة ليأتيه بأخبار قريش وردود فعلها «٧» .

وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد وصوله الروحاء سريّة جعل عليها أبا قتادة الأنصاري- ولم يكن محرما بالعمرة- في جمع من الصحابة إلى ساحل البحر الأحمر بعد أن علم بوجود تجمع للمشركين في «غيقة» ، وخشية أن يباغتوا المسلمين، فلم يلقوا كيدا ويظهر أنهم أخذوا طريق الساحل لتأمينه، إذ لم يلتحقوا بركب النبي صلّى الله عليه وسلّم إلّا في «السقيا» «٨» .

وحين وصل المسلمون عسفان «٩» جاءهم بسر بن سفيان الخزاعي بأخبار استعدادات قريش وتجميعها الجموع لصد المسلمين عن دخول مكة، وإرسالها طلائع من الفرسان إلى «كراع الغميم» «١٠» . وحين استشار الرسول صلّى الله عليه وسلّم أصحابه في الأمر «١١» ، أشار عليه أبو بكر الصديق بالتوجه إلى مكة لأداء العمرة والطواف بالبيت وقال: «فمن صدنا عنه قاتلناه» «١٢» ، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «امضوا على اسم الله» «١٣» . وقد صلّى النبي صلّى الله عليه وسلّم بأصحابه في عسفان صلاة الخوف «١٤» ، ثم سلك بهم طريقا وعرة عبر ثنية المرار إلى الحديبية متجنبا الاصطدام بخيالة قريش


(١) القرآن الكريم- سورة الفتح، الايات/ ١١- ١٢، وذكر مجاهد بأن المراد بالآية أعراب المدينة: مزينة، وجهينة، الطبري- تفسير ٢٦/ ٧٧، بإسناد حسن إلى مجاهد، غير أنه مرسل.
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٣٥٧٦، ٤١٥١، ٤١٥٤) ، مسلم- الصحيح، كتاب الإمارة ص ٧٣، ٧٥، يحيى بن معين- التاريخ ١/ ٣٢١، البيهقي- دلائل النبوة ٢/ ٢١٤.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤١٧٩) .
(٤) وانفرد الواقدي بالقول بأنهم لم يكونوا يحملون السلاح، المغازي ٢/ ٥٧٣.
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ١٦٩٤- ١٩٦٥) وهذا يدل على أن ميقات ذي الحليفة كان قد جرى تحديده قبل غزوة الحديبية.
(٦) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٣، ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٠٨.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤١٧٩) ، أحمد- المسند ٤/ ٣٢٣، ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٠٨.
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث ١٨٢١- ١٨٢٤) ، والسقيا موضع يبعد ١٨٠ كيلا من المدينة في الطريق إلى مكة.
(٩) موضع على طريق المدينة- مكة، يبعد ٨٠ كيلا عن مكة.
(١٠) واد بين عسفان ومكة قريب إلى عسفان، يبعد عنها ١٦ كيلا عن مكة، انظر: البلادي- معجم المعالم الجغرافية في السيرة، ص/ ٢٦٤.
(١١) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث ٤١٧٨- ٤١٧٩) ، أحمد- المسند ٤/ ٣٢٣.
(١٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤١٧٩) .
(١٣) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤١٧٩) ، أبو داود- السنن ٢/ ٢٨ (حديث ١٢٣٦) ، النسائي- السنن (حديث ١٥٥٠- ١٥٥١) ، ابن كثير- التفسير ١/ ٥٤٨.
(١٤) مسلم- الصحيح ٤/ ٢١٤٤ (حديث ٢٧٨٠) ، البيهقي- السنن الكبرى ٣/ ٢٥٧، ابن كثير- التفسير ١/ ٥٤٨، وهذا على رأي من أخر غزوة ذات الرقاع إلى ما بعد فتح خيبر، وهو الصحيح، وخلافا لما ذكره ابن إسحاق وابن هشام والواقدي (السيرة ٣/ ٢٠٣، المغازي ١/ ٣٩٦) .