للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقتال «١» . وقد عجل خالد بن الوليد- وكان يقود فرسان قريش- بالعودة إلى مكة حين علم بذلك، وخرجت قريش فعسكرت على طريق المسلمين «ببلدح» «٢» حيث سبقوا المسلمين إلى الماء «٣» .

وتقدم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالمسلمين حتى إذا اقتربوا من الحديبية بركت ناقته فقالوا: «خلأت القصواء» فقال صلّى الله عليه وسلّم:

«ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، ولكن حبسها حابس الفيل» . ثم قال: «والّذي نفسي بيده، لا يسألونني خطّة يعظّمون فيها حرمات الله إلّا أعطيتهم إيّاها» «٤» .

عدل الرسول صلّى الله عليه وسلّم عن الطريق المتجه إلى مكة، وسار بأصحابه حتى نزل بأقصى الحديبية على بئر قليل الماء، فلما اشتكى المسلمون العطش، انتزع صلّى الله عليه وسلّم سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيها، فما زالت تجيش بالماء حتى صدروا عنه وكان ذلك من معجزاته صلّى الله عليه وسلّم «٥» .

عمل الرسول صلّى الله عليه وسلّم على إبلاغ رسالة واضحة لزعماء قريش تضمنت أنه لم يأت لحربهم أو حرب غيرهم، وإنما جاء بقصد الاعتمار وتعظيم البيت العتيق وتكريمه وزيارته والطواف به «٦» . وقد بيّن الرسول هذه الوجهة لعدد من الرجال المحايدين أحيانا، وبواسطة رسل أرسلهم لهذا الغرض كذلك. وحين وفد عليه بديل بن ورقاء الخزاعي وبيّن له أن قريشا تعتزم صدّ المسلمين عن دخول مكة، أوضح له النبي صلّى الله عليه وسلّم سبب قدومه وأصحابه، وأظهر التوجّع لما أصاب قريشا من عنادها وحربها، وقد نقل بديل الخزاعي ذلك لقريش فاتهموه وخاطبوه بما يكره، وقالوا: «إن كان إنما جاء لذلك فلا والله لا يدخلها عنوة أبدا، ولا تتحدث بذلك العرب» «٧» . ثم أرسل خراش بن أميّة الخزاعي- وهو يقصد بيان موقفه أمام الناس جميعا- فعقروا جمله وأرادوا قتله فمنعته الأحابيش «٨» . وأراد أن يرسل عمر بن الخطاب فبيّن عمر شديد عداوته لقريش وعلمها بذلك وبأن قومه من بني عدي يناصبونه العداء ولا يحمونه «٩» ، فعدل النبي صلّى الله عليه وسلّم عنه إلى عثمان بن عفان الذي دخل مكة في جوار أبان بن سعيد بن العاص، وأبلغ قريشا رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم «١٠» ، وحين سمح زعماء قريش لعثمان بالطواف بالبيت العتيق فإنه أبى أن يسبق النبي صلّى الله عليه وسلّم بالطواف


(١) مسلم- الصحيح- كتاب صفات المنافقين، ص/ ١٢.
(٢) وهو أحد وديان مكة المكرمة، أعلاه عند وادي العشر وأوسطه منطقة الزاهر، ومصبّه في مر الظهران شمال الحديبية، انظر: البلادي- معجم المعالم الجغرافية ص/ ٤٩.
(٣) البيهقي- دلائل النبوة ٢/ ٢١٩- ٢٢٠، الواقدي- المغازي ٢/ ٥٨٢، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٩٥.
(٤) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٥/ ٣٢٩- حديث ٢٧٣١) .
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٥/ ٣٣١- حديث ٢٧٣٢) ، وفي رواية صحيحة أخرى أنه صلّى الله عليه وسلّم دعا بماء فتمضمض ومج في البئر (البخاري- الصحيح، فتح الباري- حديث ٢٥٧٧) ويمكن الجمع بين الحديثين.
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري- الأحاديث ٢٧٣١، ٢٧٣٢) .
(٧) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤، وابن إسحاق بإسناد حسن، سيرة ابن هشام ٣/ ٣٠٨.
(٨) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤، الفتح الرباني ٢١/ ١٠١- ١٠٤، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٩٦- ٩٧.
(٩) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤، ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٠٨ بإسناد حسن.
(١٠) أحمد- المسند ٤/ ٣٢٤.