للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيكثرون» . قالوا: فما تأمرنا؟ قال: «فوا ببيعة الأوّل فالأوّل «١» . وأعطوهم حقّهم. فإنّ الله سائلهم عمّا استرعاهم» ) * «٢» .

١٢-* (عن عمر بن الخطّاب- رضي الله عنه- أنّه قال: يا رسول الله، إنّي نذرت في الجاهليّة أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال له النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

«أوف نذرك» . فاعتكف ليلة) * «٣» .

١٣-* (عن أبي ذرّ- رضي الله عنه- عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فيما روى عن الله- تبارك وتعالى- أنّه قال: «يا عبادي، إنّي حرّمت الظّلم على نفسي «٤» وجعلته بينكم محرّما. فلا تظّالموا «٥» يا عبادي، كلّكم ضالّ «٦» إلّا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي، كلّكم جائع إلّا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم.

يا عبادي، كلّكم عار إلّا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي، إنّكم تخطئون «٧» باللّيل والنّهار، وأنا أغفر الذّنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا.

يا عبادي، لو أنّ أوّلكم وآخركم. وإنسكم وجنّكم.

قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كلّ إنسان مسألته. ما نقص ذلك ممّا عندي إلّا كما ينقص المخيط «٨» إذا أدخل البحر. يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثمّ أوفّيكم إيّاها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلّا نفسه» ) * «٩» .


(١) فوا ببيعة الأول فالأول: معنى هذا الحديث إذا بويع لخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها. وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء بها ويحرم عليه طلبها. وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الأول أم جاهلين. وسواء كانا في بلدين أو بلد. أو أحدهما في بلد الإمام المنفصل والآخر في غيره.
(٢) البخاري- الفتح ٦ (٣٤٥٥) . ومسلم (١٨٤٢) واللفظ له.
(٣) البخاري- الفتح ٤ (٢٠٤٢) واللفظ له. ومسلم (١٦٥٦)
(٤) إني حرمت الظلم على نفسي: قال العلماء: معناه تقدست عنه وتعاليت. وأصل التحريم في اللغة المنع. فسمى تقدسه عن الظلم تحريما، لمشابهته للممنوع في أصل عدم الشيء.
(٥) فلا تظالموا: أي لا تتظالموا. والمراد لا يظلم بعضكم بعضا.
(٦) كلكم ضال إلا من هديته: ظاهر هذا أنهم خلقوا على الضلال، إلا من هداه الله تعالى. وفي الحديث المشهور «كل مولود يولد على الفطرة» . فقد يكون المراد بالأول وصفهم بما كانوا عليه قبل مبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم. وأنهم لو تركوا وما في طباعهم من إيثار الشهوات والراحة وإهمال النظر لضلوا. وهذا الثاني أظهر.
(٧) إنكم تخطئون: الرواية المشهورة: تخطئون، بضم التاء. وروى بفتحها وفتح الطاء. يقال: خطىء يخطأ إذا فعل ما يأثم به، فهو خاطىء. ومنه قوله تعالى: اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (يوسف/ ٩٧) . ويقول في الإثم أيضا: أخطأ. فهما صحيحان.
(٨) إلا كما ينقص المخيط: قال العلماء: هذا تقريب إلى الإفهام. ومعناه لا ينقص شيئا أصلا. كما قال في الحديث الآخر «لا يغيضها نفقة» أي لا ينقصها نفقة. لأن ما عند الله لا يدخله نقص، وإنما يدخل النقص المحدود الفاني. وعطاء الله تعالى من رحمته وكرمه، وهما صفتان قديمتان لا يتطرق إليهما نقص فضرب المثل بالمخيط في البحر لأنه غاية ما يضرب به المثل في القلة. والمقصود التقريب إلى الأفهام بما شاهدوه. فإن البحر من أعظم المرئيات عيانا وأكبرها والإبرة من أصغر الموجودات مع أنها صقيلة لا يتعلق بها ماء.
(٩) مسلم (٢٥٧٧) .