للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ (الممتحنة/ ٩) أي تنصروهم، يعني أهل مكّة، جعل التّولّي هنا بمعنى النّصر من الوليّ وهو النّاصر، وروي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: من تولّاني فليتولّ عليّا؛ معناه من نصرني فلينصره، والموالاة (في كلام العرب) على وجوه:

الأوّل: أن يتشاجر اثنان فيدخل ثالث بينهما للصّلح، ويكون له في أحدهما هوى فيواليه أو يحابيه.

الثّاني: الموالاة: المحبّة، يقال: والى فلان فلانا إذا أحبّه.

الثّالث: التّميّز. قال الأزهريّ: سمعت العرب تقول: والوا حواشي نعمكم عن جلّتها أي: اعزلوا صغارها عن كبارها، يقال: واليناها فتوالت إذا تميّزت.

والوليّ: الصّديق والنّصير، وقيل التّابع المحبّ، وقال أبو العبّاس في قوله صلّى الله عليه وسلّم «من كنت مولاه فعليّ مولاه، أي من أحبّني وتولّاني فليتولّه، وقال الشّافعيّ:

رضي الله عنه- يعني بذلك ولاء الإسلام، كقوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (محمد/ ١١) .

والموالاة ضدّ المعاداة، والوليّ ضدّ العدوّ، قال تعالى: يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا (مريم: ٤٥) .

قال ثعلب: كلّ من عبد شيئا من دون الله فقد اتّخذه وليّا. وقوله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا (البقرة/ ٢٥٧) . وليّهم في نصرهم على عدوّهم، وإظهار دينهم على دين مخالفيهم، وقيل: وليّهم أي يتولّى ثوابهم ومجازاتهم بحسن أعمالهم «١» .

[الموالاة اصطلاحا:]

هي التّقرّب وإظهار الودّ بالأقوال والأفعال والنّوايا، لمن يتّخذه الإنسان وليّا، فإن كان هذا التّقرّب والودّ مقصودا به الله ورسوله والمؤمنون، فهي الموالاة الشّرعيّة الواجبة على كلّ مسلم، وإن كان المقصودهم الكفّار والمنافقين، على اختلاف أجناسهم، فهي موالاة كفر وردّة عن الإسلام «٢» .

أمّا الوليّ: فله معان اصطلاحيّة عديدة منها:

الوليّ: هو الّذي يتولّاه الله بالطّاعة ويتولّاه الله بالكرامة. ذكر ذلك أبو حيّان «٣» .

وقال الجرجانيّ: هو من توالت طاعاته من غير أن يتخلّلها عصيان «٤» .

وقال ابن حجر: والمراد بوليّ الله العالم بالله تعالى المواظب على طاعته المخلص في عبادته «٥» .

وقيل إنّ لفظ الموالاة مشتقّ من الولاء، وهو الدّنوّ والتّقرّب، والولاية ضدّ العداوة، والوليّ عكس العدوّ، والمؤمنون أولياء الرّحمن، والكافرون أولياء الطّاغوت والشّيطان، لقرب الفريق الأوّل من الله بطاعته وعبادته. وقرب الفريق الثّاني من الشّيطان


والسيد والمنعم، والمعتق، والناصر، والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف والعقيد، والصهر، والعبد، والمعتق، والمنعم عليه. وأكثرها جاء فى الحديث ويضاف كل واحد إلى ما يقتضيه الحديث الوارد فيه. انظر النهاية (٥/ ٢٢٨) .
(١) لسان العرب (١٥/ ٤٠٦- ٤٠٩) .
(٢) الموالاة والمعاداة في الشريعة الإسلامية لمحماس بن عبد الله الجلعود (٢٨) ، وانظر أيضا كتاب الإيمان للدكتور محمد نعيم ياسين.
(٣) البحر المحيط (٥/ ١٧٥) .
(٤) التعريفات للجرجانى (٢٠٥) .
(٥) فتح الباري (١٣/ ٢٩٣) .