للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مع دحية الكلبي إلى هرقل- عظيم الروم «١» وذلك في مدّة هدنة الحديبية، وهو كما يلي:

«بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله، إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتّبع الهدى: أمّا بعد، فإنّى أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرّتين، فإن تولّيت فإنّما عليك إثم الأريسيّين قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ «٢» . «٣» .

ولقد تسلم هرقل رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ودقق في الأمر كما في الحديث الطويل المشهور بين أبي سفيان وهرقل المروي في الصحيحين حين سأله عن جميع أحوال النبي، وقال بعد ذلك لأبي سفيان: «إن كان ما تقول حقّا فسيملك موضع قدميّ هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه» «٤» .

وأرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم بكتاب إلى كسرى ملك الإمبراطورية الفارسية، مع عبد الله بن حذافة السهمي، «أمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين «٥» ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى، فلما قرأه مزقه، فدعا عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يمزّقوا كلّ ممزّق» «٦» .


(١) دفعه دحية الكلبي إلى عظيم بصري فدفعه إلى هرقل.
(٢) القرآن الكريم- سورة آل عمران، الآية/ ٦٤.
(٣) استشكل عدد من الحفاظ المتأخرين ورود هذه الآية في الخطاب الذي ثبت أنه أرسل آخر العام السادس الهجري خلال هدنة الحديبية- وذلك لأنهم قالوا إنها إنما نزلت في السنة التاسعة بمناسبة قدوم وفد نجران، في حين وردت روايات أخرى تشير إلى أنها نزلت في يهود المدينة، ولعل في إيراد الشيخين لها في هذا الموضع ما يشير إلى ترجيهما لنزولها قبل تاريخ الرسالة، وقد وردت تفصيلات عن تتمة الخبر في موارد الظمآن لابن حبان (حديث ١٦٢٨) بإسناد صحيح، وفي كتاب الأموال لأبي عبيد القاسم بن سلام (ص/ ٢٥٥) بإسناد صحيح، وانظر مسلم (شرح النووي ١٢/ ١٠٧، كتاب الجهاد/ ٥، كتب النبي صلّى الله عليه وسلّم) .
(٤) مسلم- الصحيح ٣/ ١٣٩٣- ٧، (حديث ١٧٧٣) .
(٥) وهو ملك البحرين المنذر بن ساوى كما في شرح المواهب اللدنية للزرقاني (٣/ ٣٤١) ، ولم يرد في صحيح البخاري اسم عظيم البحرين (فتح ٨/ ١٢٨) .
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ٢٦/ ح/ ٤٤٢٤) وقد ثبت أن الملك كسرى أبرويز بن هرمز هو الذي تسلم رسالة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومزقها، قد مات في مارس ٦٢٨ م بمؤامرة دبرها له ولده شيرويه، وذلك يطابق ما أوردته النصوص من أن موته كان بعد ذلك ببضعة أشهر. الرواية مطولة في الطبري- تاريخ ٢/ ٦٥٥- ٦٥٧، وانظر ابن سعد- الطبقات ١/ ٢٦٠، وقد حصل اختلاف كبير بين المصادر بشأن تاريخ الرسالة إلّا أن المعوّل عليه هو ما ذكره ابن القيم: أن إرسالها قد جرى في محرم سنة ٧ هـ (زاد المعاد ١/ ٣٠) ، وأما في تاريخ خليفة ابن خياط ص/ ٧٩، والواقدي (السيرة لابن هشام ٤/ ٢٧٩) ، والطبري- تاريخ ٢/ ٢٨٨) ، فقد جعلوها سنة ٦ هـ، ولم يحدد البخاري تاريخا للرسالة. وإنما مر بذكرها بعد حديثه عن غزوة تبوك دون مراعاة لعنصر الزمن مما يشير إلى أنه أراد الإشعار بها، وذلك ما ذهب إليه ابن حجر (فتح ١/ ٣٩، ٨/ ١٢٩) .