للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا، وما فعل هذا الآخر إلّا رياء. فنزلت: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ (التوبة/ ٧٩)) * «١» .

٨-* (عن عروة بن الزّبير؛ أنّه قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر، فذكروا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرّجل قطّ، سفّه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرّق جماعتنا، وسبّ آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم- أو كما قالوا- قال: فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل يمشي، حتّى استلم الرّكن، ثمّ مرّ بهم طائفا بالبيت، فلمّا أن مرّ بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، فلمّا مرّ بهم الثّانية، غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثمّ مضى، ثمّ مرّ بهم الثّالثة، فغمزوه بمثلها، فقال:

«تسمعون يا معشر قريش، أما والّذي نفس محمّد بيده، لقد جئتكم بالذّبح» فأخذت القوم كلمته، حتّى ما منهم رجل إلّا كأنّما على رأسه طائر واقع، حتّى إنّ أشدّهم فيه وصاة «٢» قبل ذلك ليرفؤه «٣» بأحسن ما يجد من القول، حتّى إنّه ليقول: انصرف يا أبا القاسم، انصرف راشدا، فو الله ما كنت جهولا، قال: فانصرف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حتّى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتّى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك، إذ طلع (عليهم) رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوثبوا إلى وثبة رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له:

أنت الّذي تقول: كذا وكذا لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:

«نعم» ، أنا الّذي أقول ذلك، قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه، قال: وقام أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه- دونه، يقول وهو يبكي: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ. ثمّ انصرفوا عنه، فإنّ ذلك لأشدّ ما رأيت قريشا بلغت منه قطّ) * «٤» .


(١) البخاري- الفتح ٨ (٤٦٦٨) . ومسلم (١٠١٨) واللفظ له.
(٢) وصاة: بفتح الواو والصاد المهملة المخففة: الوصية.
(٣) ليرفؤه: يسكنه ويرفق به ويدعو له.
(٤) أحمد (١١/ ٢٠٣) وقال الشيخ أحمد شاكر: صحيح (١١/ ٢٠٣، ٢٠٥) رقم (٧٠٣٦) ، وقال الهيثمي في المجمع: رواه أحمد وقد صرح ابن اسحاق بالسماع وبقية رجاله رجال الصحيح.