للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الإسراف]

[الإسراف لغة:]

الإسراف مصدر أسرف يسرف وهو مأخوذ من مادّة (س ر ف) الّتي تدلّ على تعدّي الحدّ والإغفال للشّيء، تقول: في الأمر سرف، أي مجاوزة القدر، وجاء في الحديث الشّريف: (الثّالثة في الوضوء شرف، والرّابعة سرف) وأمّا الإغفال فقول القائل: مررت بكم فسرفتكم: أي أغفلتكم، أو جهلتكم.

وقال الرّاغب: السّرف تجاوز الحدّ في كلّ فعل يفعله الإنسان، وإن كان ذلك في الإنفاق أشهر، ويقال تارة اعتبارا بالقدر (الكمّيّة) وتارة اعتبارا بالكيفيّة، ولهذا قال سفيان بن عيينة: ما أنفقت في غير طاعة الله سرف، وإن كان قليلا، وقول الله تعالى: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ (الزمر/ ٥٣) الإسراف هنا يتناول المال وغيره «١» ، وسمّي قوم لوط مسرفين من حيث إنّهم تعدّوا في وضع البذر في غير المحرث المخصوص له، والإسراف في القتل: أن يقتل وليّ الدّم غير القاتل أو يتعدّاه إلى من هو أشرف منه حسبما كانت الجاهليّة تفعله، وقيل: السّرف ضدّ

الآيات/ الأحاديث/ الآثار

٢٠/ ١٣/ ١٣

القصد، والسّرف الإغفال والخطأ، يقال: سرفت الشّيء إذا أغفلته وجهلته، ورجل سرف الفؤاد أي مخطيء الفؤاد غافله، وسرف العقل: غافله، وقيل: فاسده، والإسراف في النّفقة: التّبذير، وفي حديث عائشة رضي الله عنها- «إنّ للّحم سرفا كسرف الخمر» أي ضراوة كضراوتها، وشدّة كشدّتها لأنّ من اعتاده ضري بأكله فأسرف فيه، فعل مدمن الخمر في ضراوته بها، وقلة صبره عنها، وقيل أراد بالسّرف: الغفلة، وقيل هو من الإسراف والتّبذير في النّفقة لغير حاجة، أو في غير طاعة الله. شبّهت ما يخرج في الإكثار من اللّحم بما يخرج في الخمر.

قال ابن الأثير: وقد تكرّر ذكر الإسراف في الحديث، والغالب على ذكره: الإكثار من الذّنوب والخطايا، واحتقاب «٢» الأوزار والآثام. وفي التّنزيل العزيز: وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (غافر/ ٤٣) أي المتجاوزين في أمورهم الحدّ، وقيل: أراد المشركين، وقيل: السّفهاء والسّفّاكون للدّماء بغير حقّها، وقيل: الجبّارون والمتكبّرون، وقيل: هم الّذين


(١) فى سبب نزول هذه الآية روايات كثيرة: منها أن قوما من المشركين قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا فقالوا- أو بعثوا- للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن ما تدعو إليه لحسن، أو تخبرنا أن لنا توبة؟ فنزلت، وقيل: نزلت في أهل مكة حينما قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق لم يغفر له، وقد فعلنا ذلك.. فنزلت ... انظر: تفسير القرطبي (١٥/ ١٧٤)
(٢) الاحتقاب: الاحتمال من قولهم: احتقب فلان الإثم كأنه جمعه واحتقبه من خلفه، ويقال: احتقب خيرا أو شرا واستحقبه في معنى ادخره.