للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عبدة الأوثان، واليهود، فيهم عبد الله بن أبيّ. وفي المجلس عبد الله بن رواحة. فلمّا غشيت المجلس عجاجة الدّابّة «١» ، خمّر «٢» عبد الله بن أبيّ أنفه بردائه، ثمّ قال: لا تغبّروا علينا «٣» . فسلّم عليهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ وقف فنزل، فدعاهم إلى الله وقرأ عليهم القرآن. فقال عبد الله بن أبيّ: أيّها المرء لا أحسن من هذا «٤» ، إن كان ما تقول حقّا، فلا تؤذنا في مجالسنا، وارجع إلى رحلك «٥» ، فمن جاءك منّا فاقصص عليه. فقال عبد الله بن رواحة: اغشنا في مجالسنا، فإنّا نحبّ ذلك.

قال: فاستبّ المسلمون والمشركون واليهود حتّى همّوا أن يتواثبوا. فلم يزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخفّضهم «٦» ثمّ ركب دابّته حتّى دخل على سعد بن عبادة. فقال: «أي سعد ألم تسمع إلى ما قال أبو حباب؟ (يريد عبد الله بن أبيّ قال كذا وكذا) قال: اعف عنه يا رسول الله واصفح فو الله لقد أعطاك الله الّذي أعطاك، ولقد اصطلح أهل هذه البحيرة «٧» . أن يتوّجوه، فيعصّبوه بالعصابة «٨» . فلمّا ردّ الله ذلك بالحقّ الّذي أعطاكه، شرق بذلك «٩» .

فذلك فعل به ما رأيت. فعفا عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم) * «١٠» .

من الآثار وأقوال العلماء والمفسرين الواردة في ذمّ (الإعراض)

١-* (قال لقمان الحكيم لابنه: «يا بنيّ اختر المجالس على عينك، وإذا رأيت قوما يذكرون الله فاجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا يعلّموك، ولعلّ الله أن يطّلع عليهم برحمة فيصيبك بها معهم. وإذا رأيت قوما لا يذكرون الله فلا تجلس معهم، فإنّك إن تكن عالما لا ينفعك علمك، وإن تكن جاهلا زادوك غيّا أو عيّا، ولعلّ الله يطّلع عليهم بعذاب فيصيبك معهم» ) * «١١» .

٢-* (قال الله تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ* فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

قال القرطبيّ: «هذا عتاب على ترك الدّعاء وإخبار عنهم أنّهم لم يتضرّعوا حين نزول العذاب» ) * «١٢» .

٣-* (وقال ابن كثير- رحمه الله تعالى-:

«ابتلاهم الله عزّ وجلّ بالفقر والضّيق في العيش


(١) عجاجة الدابة: هو ما ارتفع من غبار حوافرها.
(٢) خمّر أنفه: أي غطّاه.
(٣) لا تغبروا علينا: أي لا تثيروا علينا الغبار.
(٤) لا أحسن من هذا: أي ليس شيء أحسن من هذا. ووقع لبعضهم: لأحسن من هذا. قيل: وهو أظهر. وتقديره أحسن من هذا أن تقعد في بيتك.
(٥) إلى رحلك: أي إلى منزلك.
(٦) يخفضهم: أي يسكنهم ويسهل الأمر بينهم.
(٧) البحيرة: بضم الباء، على التصغير. البحيرة، مكبرة، وكلاهما بمعنى وأصلها القرية. والمراد بها هنا مدينة النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٨) فيعصبوه بالعصابة: معناه اتفقوا على أن يعينوه ملكهم. وكان من عادتهم، إذا ملّكوا إنسانا، أن يتوجوه ويعصبوه.
(٩) شرق بذلك: أي غص. ومعناه حسد النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(١٠) البخاري الفتح ٧ (٤٥٦٦) . ومسلم (١٧٩٨) واللفظ له.
(١١) الدارمي (١/ ١١٧) رقم (٣٧٧) .
(١٢) تفسير القرطبى (٦/ ٤٢٧) .