للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرّة «١» .

حكم إفشاء السّرّ بعد موت صاحبه:

قال ابن بطّال: أكثر العلماء على أنّه إذا مات صاحب السّرّ فإنّه لا يلزم من كتمانه ما كان يلزم في حياته إلّا أن يكون عليه فيه غضاضة، وقال ابن حجر: الّذي يظهر أنّ الإفشاء بعد الموت ينقسم إلى:

١- ما يحرم إذا كان فيه غضاضة على صاحبه.

٢- ما يكره مطلقا.

٣- ما يباح

٤- ما يستحبّ ذكره- وإن كرهه صاحب السّرّ كأن يكون فيه تزكية أو منقبة أو نحو ذلك «٢» .

هل يجوز إفشاء السّرّ للمصلحة؟:

قال العزّ بن عبد السّلام: السّتر على النّاس شيمة الأولياء، ويؤخذ من كلامه أنّه قد يجوز الإفشاء إذا كان في ذلك مصلحة، أو دفع ضرر، واستدلّ على ذلك بما ذكره القرآن الكريم من إفشاء يوسف عليه السّلام بسرّ الّتي راودته عن نفسه، وسرّ النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، قال العزّ: وإنّما قال يوسف عليه السّلام هي راودتني عن نفسي ليدفع عن نفسه ما تعرّض له- أو ما يمكن أن يتعرّض له- من قتل أو عقوبة، وكذلك قوله ما بال النّسوة اللّاتي قطّعن أيديهنّ، ليدفع التّهمة عن نفسه، فإنّ الملك لو اتّهمه لم يولّه، ولم يحمل على إحسان الولاية «٣» .

[الدافع إلى إفشاء السر ودلالته:]

قال الرّاغب: إذاعة السّرّ من قلّة الصّبر وضيق الصّدر، ولا يوصف به إلّا ضعفة الرّجال والصّبيان والنّساء. وقال الماورديّ: في الاسترسال بإبداء السّرّ دلائل على ثلاث أحوال مذمومة: إحداها: ضيق الصّدر وقلّة الصّبر حتّى إنّه لم يتّسع لسرّ ولم يقدر على صبر، وقال الشّاعر في ذلك:

إذا المرء أفشى سرّه بلسانه ... ولام عليه غيره فهو أحمق

إذا ضاق صدر المرء عن سرّ نفسه ... فصدر الّذي يستودع السّرّ أضيق

الثّانية: الغفلة عن تحذّر العقلاء، والسّهو عن يقظة الأذكياء، وقال بعض الحكماء: انفرد بسرّك ولا تودعه حازما فيزلّ ولا جاهلا فيخون.

الثّالثة: ما ارتكبه من الغرر، واستعمله من الخطر، وقد قال بعض الحكماء: سرّك من دمك فإذا تكلّمت به فقد أرقته «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الفضح- انتهاك الحرمات- الخيانة- نقض العهد- الخيانة- البذاءة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: كتمان السر- الأمانة- الصمت وحفظ اللسان- الوفاء- الوقار- إقامة الشهادة- الستر] .


(١) فتح الباري (١١/ ٨٥) .
(٢) السابق، الصفحة نفسها، ولم يذكر ابن حجر متى يباح ومتى يكره، ويبدو أن ذلك يتوقف على مدى النفع أو الضرر الذي يترتب على الإفشاء.
(٣) شجرة المعارف والأحوال للمعز بن عبد السلام (٣٨٩- ٣٩٠) (بتصرف) .
(٤) أدب الدنيا والدين للماوردي (٢٩٥- ٢٩٦) .