للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا تبرّز كان أحبّ ما تبرّز فيه هدف يستتر به أو حائش نخل، فدخل حائطا «١» لرجل من الأنصار، فإذا فيه ناضح «٢» له، فلمّا رأى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حنّ وذرفت عيناه، فنزل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فمسح ذفراه وسراته «٣» فسكن، فقال: من ربّ هذا الجمل؟ فجاء شابّ من الأنصار فقال أنا، فقال: ألا تتّقي الله في هذه البهيمة الّتي تملّكك الله إيّاها؟ فإنّه شكاك إليّ، وزعم أنّك تجيعه وتدئبه «٤» ثمّ ذهب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في الحائط وقضى حاجته، ثمّ توضّأ، ثمّ جاء والماء يقطر من لحيته على صدره، فأسرّ إليّ شيئا لا أحدّث به أحدا، فحرّجنا «٥» عليه أن يحدّثنا فقال: لا أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه حتّى ألقى الله (تعالى)) * «٦» .

٩-* (عن عائشة- رضي الله عنها- قالت:

كنّ أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنده، لم يغادر منهنّ واحدة فأقبلت فاطمة تمشي. ما تخطيء مشيتها من مشية رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئا، فلمّا رآها رحّب بها. فقال: «مرحبا بابنتي» ثمّ أجلسها عن يمينه أو عن شماله. ثمّ سارّها فبكت بكاء شديدا. فلمّا رأى جزعها سارّها الثّانية فضحكت. فقلت لها. خصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من بين نسائه بالسّرار، ثمّ أنت تبكين، فلمّا قام رسول صلّى الله عليه وسلّم سألتها: ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قالت: ما كنت أفشي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سرّه. قالت: فلمّا توفّي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت: عزمت عليك بمالي عليك من الحقّ لما حدّثتني ما قال لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فقالت: أمّا الآن فنعم. أمّا حين سارّني في المرّة الأولى فأخبرني: «أنّ جبريل كان يعارضه القرآن في كلّ سنة مرّة أو مرّتين، وإنّه عارضه الآن مرّتين وإنّي لا أرى «٧» الأجل إلّا قد اقترب، فاتّقي الله واصبري. فإنّه نعم السّلف أنالك» قالت: فبكيت بكائي الّذي رأيت، فلمّا رأى جزعي سارّني الثّانية فقال: يا فاطمة: أما ترضي أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأمّة؟» قالت:

فضحكت ضحكي الّذي رأيت» ) * «٨» .

١٠-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة: الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ ينشر سرّها، وفي رواية: من أشرّ النّاس» ) * «٩» .


(١) الحائط: هو البستان من النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار.
(٢) لناضح: هو البعير يستقى عليه.
(٣) الذفري في البعير: أصل أذنه، والسراة من كل شيء ظهره وأعلاه.
(٤) تدئبه، أي تكده وتتعبه.
(٥) حرجنا عليه أي الححنا عليه وضيقنا من الحرج وهو الضيق.
(٦) أحمد- المسند ٣ (١٧٥٤) ، تحقيق الشيخ أحمد شاكر قال: وإسناده صحيح، أبو داود (٢٥٤٩) ، والحاكم (٢/ ٩٩، ١٠٠) وصححه وأقره الذهبي.
(٧) لا أرى: أى لا أظن.
(٨) البخاري- الفتح ٧ (٣٧١٥، ٣٧١٦) ، ومسلم (٢٤٥٠) واللفظ له.
(٩) مسلم (١٤٣٧) واللفظ له، وأبو داود ٤ (٤٨٧٠) .