للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صلّى الله عليه وسلّم فدخل مشربة له «١» فاعتزل فيها. فدخلت على حفصة، فإذا هي تبكي. قلت ما يبكيك، أو لم أكن حذّرتك؟ أطلّقكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ قالت: لا أدري.

هو ذا في المشربة. فخرجت المنبر، فإذا حوله رهط يبكي بعضهم، فجلست معهم قليلا، ثمّ غلبني ما أجد فجئت المشربة التي هو فيها، فقلت لغلام له أسود: استأذن لعمر. فدخل فكلّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ خرج فقال: ذكرتك له فصمت. فانصرفت حتّى جلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد، فجئت- فذكر مثله- فجلست مع الرّهط الّذين عند المنبر. ثمّ غلبني ما أجد فجئت الغلام فقلت: استأذن لعمر فذكر مثله- فلمّا ولّيت منصرفا فإذا الغلام يدعوني قال: أذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فدخلت عليه، فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثّر الرّمال بجنبه، متّكيء على وسادة من أدم حشوها ليف، فسلّمت عليه، ثم قلت وأنا قائم:

طلّقت نساءك؟ فرفع بصره إليّ فقال: لا. ثمّ قلت وأنا قائم أستأنس «٢» : يا رسول الله، لو رأيتني وكنّا معشر قريش نغلب النّساء، فلمّا قدمنا على قوم تغلبهم نساؤهم.. فذكره. فتبسّم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. ثمّ قلت: لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لا يغرّنّك أن كانت جارتك هي أوضأ منك وأحبّ إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (يريد عائشة) ، فتبسّم أخرى. فجلست حين رأيته تبسّم. ثمّ رفعت بصري في بيته، فو الله ما رأيت فيه شيئا يردّ البصر غير أهبة «٣» ثلاث، فقلت: ادع الله فليوسّع على أمّتك، فإنّ فارس والرّوم وسّع عليهم وأعطوا الدّنيا وهم لا يعبدون الله. وكان متّكئا فقال: أو في شكّ أنت يا ابن الخطّاب؟ أولئك قوم عجّلت لهم طيّباتهم في الحياة الدّنيا. فقلت: يا رسول الله استغفر لي. فاعتزل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهنّ شهرا، من شدّة موجدته عليهنّ حين عاتبه الله، فلمّا مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، فقالت له عائشة:

إنّك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا، وإنّا أصبحنا بتسع وعشرين ليلة أعدّها عدّا، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

الشّهر تسع وعشرون، وكان ذلك الشّهر تسعا وعشرين، قالت عائشة: فأنزلت آية التّخيير، فبدأ بي أوّل امرأة فقال: إنّي ذاكر لك أمرا، ولا عليك أن لا تعجلي حتّى تستأمري أبويك. قالت: قد أعلم أنّ أبويّ لم يكونا يأمراني بفراقك- ثمّ قال: إنّ الله قال يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ- إلى قوله- عَظِيماً قلت: أفي هذا أستأمر أبويّ، فإنّي أريد الله ورسوله والدّار الآخرة. ثمّ خيّر نساءه. فقلن مثل ما قالت عائشة» . «٤»


(١) المشربة: الغرفة، تقال بضم الراء وفتحها.
(٢) «وأنا قائم أستأنس» قال ابن حجر المعنى: أقول قولا أستكشف به هل ينبسط لي أم لا، ويحتمل أن يكون استفهاما محذوف الأداة أي أأستأنس يا رسول الله؟
(٣) أهبة.. جمع إهاب وهو الجلد قبل ان يدبغ (النهاية/ ١/ ٨٣) .
(٤) البخاري- الفتح ٥ (٢٤٦٨) ، ٩ (٥١٩١) ، ورواه مسلم مختصرا في ٢ (١٠٨٣) والنسائي ٤ (٢١٣١) .