للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الملك: من ردّ عليك بصرك؟ قال: ربّي. قال: ولك ربّ غيري؟ قال: ربّي وربّك الله، فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أيّ بنيّ! قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمه والأبرص وتفعل وتفعل، فقال: إنّي لا أشفي أحدا، إنّما يشفي الله. فأخذه فلم يزل يعذّبه حتّى دلّ على الرّاهب فجيء بالرّاهب فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى. فدعا بالمئشار «١» .

فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك. فأبى فدعا بالمئشار. فوضع المئشار في مفرق رأسه، فشقّه حتّى وقع شقّاه. ثمّ جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل فإذا بلغتم ذروته «٢» فإن رجع عن دينه وإلّا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهمّ! اكفنيهم بما شئت فرجف بهم الجبل فسقطوا. وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك:

ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور «٣» فتوسّطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلّا فاقذفوه.

فذهبوا به، فقال: اللهمّ اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السّفينة فغرقوا وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فقال للملك: إنّك لست بقاتلي حتّى تفعل ما آمرك به. قال: وما هو؟ قال:

تجمع النّاس في صعيد واحد «٤» وتصلبني على جذع، ثمّ خذ سهما من كنانتي ثمّ ضع السّهم في كبد القوس «٥» ثمّ قل: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ ارمني فإنّك إذا فعلت ذلك قتلتني. فجمع النّاس في صعيد واحد وصلبه على جذع ثمّ أخذ سهما من كنانته «٦» ثمّ وضع السّهم في كبد القوس ثمّ قال: باسم الله ربّ الغلام. ثمّ رماه. فوقع السّهم في صدغه. فوضع يده في صدغه في موضع السّهم. فمات. فقال النّاس: آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام، آمنّا بربّ الغلام. فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر؟ قد والله نزل بك حذرك. قد آمن النّاس.

فأمر بالأخدود في أفواه السّكك «٧» فخدّت وأضرم النّيران، وقال: من لم يرجع عن دينه فأحموه فيها، أو قيل له: اقتحم. ففعلوا. حتّى جاءت امرأة ومعها صبيّ لها، فتقاعست أن تقع فيها. فقال لها الغلام: يا أمّه! اصبري؛ فإنّك على الحقّ» ) * «٨» .

٧-* (عن قتادة قال: «ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة: أنّ نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم، أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد «٩» قريش فقذفوا في طويّ من أطواء بدر «١٠» خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة «١١» ثلاث ليال. فلمّا كان ببدر اليوم الثّالث أمر براحلته فشدّ عليها رحلها، ثمّ مشى


(١) المئشار: المنشار.
(٢) بلغتم ذروته: أي قمّته وأعلاه.
(٣) قرقور: القرقور السفينة الصغيرة.
(٤) صعيد واحد: أي مكان واحد.
(٥) كبد القوس: وسطه.
(٦) الكنانة: جعبة السهام.
(٧) فأمر بالأخدود في أفواه السكك: الأخدود: شق في الأرض مستطيل وأفواه السكك: أي أبواب الطرق.
(٨) مسلم (٣٠٠٥) .
(٩) الصناديد: جمع صنديد وهو السيد الشجاع.
(١٠) الأطواء جمع طوى: وهي البئر التي بنيت بالحجارة لتثبت ولا تنهار.
(١١) العرصة بفتح العين وسكون الراء: كل بقعة بين الدور ليس فيها بناء.