للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من بلد أبغض إليّ من بلدك. فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلّها إليّ. وإنّ خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى؟ فبشّره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأمره أن يعتمر. فلمّا قدم مكّة قال له قائل: أصبوت «١» ؟ فقال: لا. ولكنّي أسلمت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. ولا، والله لا يأتيكم من اليمامة حبّة حنطة حتّى يأذن فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم) * «٢» .

١٠-* (عن بريدة عن أبيه- رضي الله عنهما- قال: بعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عليّا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليّا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلمّا قدمنا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ذكرت ذلك له، فقال: «يا بريدة أتبغض عليّا؟» فقلت نعم. قال: «لا تبغضه، فإنّ له في الخمس أكثر من ذلك» ) * «٣» .

١١-* (عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: بلغنا مخرج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم- ونحن باليمن- فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم:

أحدهما أبو بردة، والآخر أبو رهم إمّا قال: في بضع، وإمّا قال: في ثلاثة وخمسين، أو اثنين وخمسين رجلا من قومي فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النّجاشيّ بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب فأقمنا معه حتّى قدمنا جميعا، فوافقنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين افتتح خيبر.

وكان أناس من النّاس يقولون لنا- يعني لأهل السّفينة-: سبقناكم بالهجرة. ودخلت أسماء بنت عميس- وهي ممّن قدم معنا- على حفصة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم زائرة،- وقد كانت هاجرت إلى النّجاشيّ فيمن هاجر،- فدخل عمر على حفصة- وأسماء عندها- فقال عمر- حين رأى أسماء-: من هذه؟

قالت: أسماء بنت عميس. قال عمر: الحبشيّة هذه؟

البحريّة هذه؟ قالت أسماء: نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحقّ برسول الله منكم. فغضبت وقالت: كلّا والله. كنتم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنّا في دار- أو في أرض- البعداء البغضاء «٤» بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله صلّى الله عليه وسلّم. وايم الله لا أطعم طعاما ولا أشرب شرابا حتّى أذكر ما قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن كنّا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه. فلمّا جاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قالت: يا نبيّ الله، إنّ عمر قال كذا وكذا. قال: «فما قلت له؟» قالت: قلت له كذا وكذا. قال: «ليس بأحقّ بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السّفينة هجرتان. قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السّفينة يأتونني أرسالا «٥» يسألوني عن هذا الحديث، ما من الدّنيا شيء هم به أفرح ولا أعظم في أنفسهم ممّا قال لهم النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم. قال


(١) أصبوت: هكذا هو في الأصول: وهي لغة. والمشهور: أصبأت، بالهمز وعلى الأول جاء قولهم: الصباة. كقاض وقضاة. والمعنى: أخرجت من دينك.
(٢) البخاري- الفتح ٨ (٤٣٧٢) . ومسلم (١٧٦٤) واللفظ له.
(٣) البخاري- الفتح ٨ (٤٣٥٠) .
(٤) البعداء البغضاء: أي البعداء في النسب البغضاء في الدين لأنهم كفار إلا النجاشيّ وكان يستخفي بإسلامه عن قومه ويوري لهم.
(٥) أرسالا: يعنى أفواجا.