للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سرية عبد الله بن حذافة السهمي:]

وردت روايات صحيحة «١» تفيد أن النبي صلّى الله عليه وسلّم استعمل رجلا من أصحابه، يرجح أن يكون عبد الله بن حذافة السهمي «٢» ، على سرية وأمرهم أن يطيعوه، فأغضبوه في شيء، فأمرهم فأوقدوا نارا، ثم ذكرهم بأمر النبي صلّى الله عليه وسلّم لهم بالسمع والطاعة له، وأمرهم أن يدخلوا النار التي أوقدوها، فامتنعوا وقالوا: «إنما فررنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من النار» وحين علم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالأمر قال «لو دخلوها ما خرجوا منها، إنّما الطّاعة في المعروف» . وقد روى الشيخان أن الآية: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ «٣» قد نزلت فيه عندما أرسله النبي صلّى الله عليه وسلّم في السرية «٤» .

غزوة تبوك: «جيش العسرة» : «٥»

أمر الله سبحانه وتعالى المسلمين بجهاد أهل الكتاب، كما أمرهم بجهاد المشركين، وخلافا لما حصل مع المشركين الذين لا يقبل منهم إلا الدخول في الإسلام أو أن يأذنوا بقتال، فإن أهل الكتاب لهم حق الاحتفاظ بدينهم إذا ما اعترفوا بالسيادة لدولة الإسلام وأدّوا الجزية عن يد وهم صاغرون. قال تعالى:

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ «٦» .

ولذلك فليس هناك ما يدعو إلى البحث عن الأسباب المباشرة لهذه الغزوة، كما حاول بعض المؤرخين المسلمين حين ذكروا أن هرقل قد جمع الجموع «٧» ، أو كما ذكر آخرون أنه قد قصد منها أخذ الثأر لقتلى المسلمين في مؤتة عامة وجعفر بن أبي طالب خاصة «٨» ، أو ادعاء العض أنها ناجمة عن مشورة يهود «٩» .


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٧١٤٥) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٦٩، كتاب الإمارة، (الحديث ١٨٤٠) .
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٤٥٨٤) ، مسلم- الصحيح ٣/ ١٤٦٥، (الحديث ١٨٣٤) ، أحمد- المسند ٣/ ٦٧، وانظر صحيح سنن ابن ماجه للألباني ٢/ ١٤٢ (حديث ٢٨٦٣) والحاكم- المستدرك ٣/ ٦٣٠- ١.
(٣) القرآن الكريم- سورة النساء، الآية/ ٥٩.
(٤) خالف ذلك الحافظ ابن كثير (التفسير ٢/ ٣٠٣) والطبري (التفسير ٨/ ٤٩٨- ٩) وقالا إنها إنما نزلت في خالد بن الوليد، وقالا إن الآية في جميع أولي الأمر من الأمراء والعلماء، وذكر الواقدي في المغازي (٣/ ٩٨٣) وتابعه ابن سعد في الطبقات (٢/ ١٦٣) أنها نزلت في علقمة بن محرز حين بعثه النبي صلّى الله عليه وسلّم في سرية لرد الأحباش عن جدة.
(٥) وردت «العسرة» تسمية للغزوة في القرآن الكريم سورة التوبة، الآية (٢٩) ، وعنون البخاري لها «باب غزوة تبوك وهي غزوة العسرة» ، وأورد مسلم في صحيحه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الذي سماها تبوك (الصحيح- كتاب الفضائل ٧/ ٦٠- ٦١) .
(٦) القرآن الكريم- سورة التوبة (٢٩) .
(٧) ابن سعد- الطبقات ٢/ ١٦٥.
(٨) اليعقوبي- التاريخ ٢/ ٦٧.
(٩) ابن كثير- التفسير ٥/ ٢١٠- ٢١١. وانظر ابن عساكر- تاريخ دمشق ١/ ١٦٧- ١٦٨، والخبر في ذلك مرسل وضعيف.