للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما ينفقون وقد أنزل الله سبحانه وتعالى فيهم وفي أمثالهم قوله: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ «١» .

أعلن النبي صلّى الله عليه وسلّم النفير العام فأمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم، وقد انفرد الواقدي بذكر خبر إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى القبائل يستنفرها بالخروج مع الجيش الإسلامي من المدينة إلى تبوك وقد أشار القرآن الكريم إلى إعلان النفير فقال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ «٢» .

وكان النفير المعلن أمرا واجبا على الجميع تنفيذه والالتزام به؛ فقد طالبهم القرآن الكريم أن ينفروا شبابا وشيوخا أغنياء وفقراء وأن يكون جهادهم جميعا بالأموال والأنفس، فقال تعالى: انْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ «٣» .

وقد أورد ابن هشام مروية لابن إسحاق جمع فيها معلومات أخذها من عدة مصادر، جاء فيها: «أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم أمر أصحابه بالتهيؤ لغزو الروم وذلك في زمان من عسرة الناس، وشدة من الحر، وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار، والناس يحبون المقام في ثمارهم وظلالهم، ويكرهون الشخوص على الحال من الزمان الذي هم عليه، وذلك ما أشارت إليه الآية الكريمة: لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ «٤» ، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلما يخرج في غزوة إلا كنّى عنها ويخبر أنه يريد غير الوجه الذي يصمد له، إلا ما كان من غزوة تبوك فإنه بيّنها للناس، لبعد الشقة، وشدة الزمان، وكثرة العدو الذي يصمد له، ليتأهب الناس لذلك أهبته، فأمر الناس بالجهاز، وأخبرهم أنه يريد الروم» «٥» .

ولقد نجم النفاق في المدينة واستعلن بشأن هذه الغزوة، «وقال قوم من المنافقين بعضهم لبعض: لا تنفروا في الحر، زهادة في الجهاد، وشكّا في الحق، وإرجافا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم»

، فأنزل الله تعالى فيهم: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ «٧» .


(١) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآيات/ ٩١- ٩٢.
(٢) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٣٨.
(٣) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٤١.
(٤) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ٤٢، الطبري- تفسير ١٤/ ٢٧٢ بإسناد حسن الى قتادة ولكنه مرسل.
(٥) «وقد ذكر لنا الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة وغيرهم من علمائنا» ، ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٦.
(٦) ابن هشام- السيرة ٣/ ٥١٧.
(٧) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية ٨١- ٨٢.