للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث الواردة في ذمّ (التخلف (القعود) عن الجهاد)

١-* (عن أبي سعيد الخدريّ- رضي الله عنه- أنّ رجالا من المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الغزو تخلّفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله، فإذا قدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم اعتذروا إليه وحلفوا، وأحبّوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا فنزلت لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ (آل عمران/ ١٨٨) الآية» ) * «١» .

٢-* (قال كعب بن مالك- رضي الله عنه-:

لم أتخلّف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة غزاها قطّ إلّا في غزوة تبوك. غير أنّي قد تخلّفت في غزوة بدر، ولم يعاتب أحدا تخلّف عنه. إنّما خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون يريدون عير قريش حتّى جمع الله بينهم وبين عدوّهم على غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة العقبة «٢» حين تواثقنا على الإسلام «٣» ، وما أحبّ أنّ لي بها مشهد بدر، وإن كانت بدر أذكر «٤» في النّاس منها. وكان من خبري حين تخلّفت عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك أنّي لم أكن قطّ أقوى ولا أيسر منّي حين تخلّفت عنه في تلك الغزوة. والله ما جمعت قبلها راحلتين قطّ حتّى جمعتهما في تلك الغزوة. فغزاها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في حرّ شديد، واستقبل سفرا بعيدا ومفازا «٥» ، واستقبل عدوّا كثيرا، فجلا للمسلمين أمرهم «٦» ليتأهّبوا أهبة غزوهم»

، فأخبرهم بوجههم «٨» الّذي يريد، والمسلمون مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ (يريد بذلك الدّيوان) . قال كعب: فقلّ رجل يريد أن يتغيّب «٩» يظنّ أنّ ذلك سيخفى له، ما لم ينزل فيه وحي من الله- عزّ وجلّ- وغزا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم تلك الغزوة حين طابت الثّمار والظّلال. فأنا إليها أصعر «١٠» . فتجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمون معه، وطفقت أغدو لكي أتجهّز معهم فأرجع ولم أقض شيئا، وأقول في نفسي: أنا قادر على ذلك إذا أردت.

فلم يزل ذلك يتمادى بي حتّى استمرّ بالنّاس الجدّ فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم غاديا والمسلمون معه ولم أقض من جهازي شيئا. ثمّ غدوت فرجعت ولم أقض شيئا.


(١) البخاري- الفتح ٨ (٤٥٦٧)
(٢) ليلة العقبة: هي الليلة التي بايع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأنصار فيها على الإسلام، وأن يؤووه وينصروه، وهي العقبة التي في طرف منى، التي يضاف إليها جمرة العقبة. وكانت بيعة العقبة مرتين، في سنتين: في السنة الأولى كانوا اثني عشر، وفي الثانية سبعين، كلهم من الأنصار رضي الله عنهم.
(٣) تواثقنا على الإسلام: أي تبايعنا عليه وتعاهدنا.
(٤) وإن كانت بدر أذكر: أي أشهر عند الناس بالفضيلة.
(٥) ومفازا: أي صحراء طويلة قليلة الماء، يخاف فيها الهلاك.
(٦) فجلا للمسلمين أمرهم: أي كشفه وبينه وأوضحه. وعرفهم ذلك على وجهه من غير تورية. يقال: جلوت الشيء كشفته.
(٧) ليتأهبوا أهبة غزوهم: أي ليستعدوا بما يحتاجون إليه في سفرهم ذلك.
(٨) فأخبرهم بوجههم: أي بمقصدهم.
(٩) فقل رجل يريد أن يتغيب ... الخ: قال القاضي: هكذا هو في جميع نسخ مسلم. وصوابه: إلا يظن أن ذلك سيخفى له. بزيادة إلا. وكذا رواه البخاري.
(١٠) فأنا إليها أصعر: أي أميل.