للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها فتكون إليه أسرع من السّيل إلى منحدره، وتفتّحت له أبواب الوساوس فيما يسمعه ويراه ويعطاه فيفتح له الشّيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة في اللّفظ والمعنى ما يفسد عليه دينه وينكّد عليه عيشه فإذا سمع كلمة سفرجل، أو أهدي إليه تطيّر به، وقال:

سفر وجلاء، وإذا رأى ياسمينا أو أهدي إليه أو سمع اسمه تطيّر به وقال: يأس ومين، وإذا خرج من داره فاستقبله أعور أو أشلّ أو أعمى أو صاحب آفة تطيّر به وتشاءم بيومه، وعلى هذا فإنّ المتطيّر متعب القلب، منكّد الصّدر، كاسف البال سيّء الخلق يتخوّف من كلّ ما يراه ويسمعه فيصير أشدّ النّاس وجلا وأنكدهم عيشا، وأضيقهم صدرا، وأحزنهم قلبا، وكم قد حرم نفسه بذلك من حظّ ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة. وأمّا من لم يلتفت إليها ولم يلق إليها باله، ولم يشغل نفسه بها ولا فكره، فإنّ ذلك يذهب عنه ويضمحلّ. وقد شفى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمّته في الطّيرة حيث سئل عنها فقال: «ذلك شيء يجده أحدكم فلا يصدّنّه» «١» .

[حكم التطير:]

عدّ ابن حجر ترك السّفر بسبب التّطيّر من الكبائر. وعن ابن مسعود- رضي الله عنه- أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «الطّيرة شرك الطّيرة شرك، وما منّا إلّا، ولكنّ الله يذهبه بالتّوكّل» . رواه التّرمذيّ وابن ماجة في صحيحه من غير تكرار وقال التّرمذيّ: حديث حسن صحيح.

وقال الحافظ أبو القاسم الأصفهانيّ وغيره: في الحديث إضمار والتّقدير: ما منّا إلّا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمّته، ولكنّ الله تعالى يذهب ذلك عن قلب كلّ من يتوكّل على الله ولا يثبت على ذلك. انتهى. واعترضه الحافظ المنذريّ بأنّ الصّواب ما ذكره البخاريّ وغيره أنّ قوله وما منّا ... إلخ من كلام ابن مسعود مدرج غير مرفوع «٢» ونقل البخاريّ عن سليمان بن حرب أنّه كان ينكر رفع ذلك ويقول: كأنّه من قول ابن مسعود وروى أبو داود والنّسائيّ وابن حبّان في صحيحه «العيافة أي الحظّ والطّيرة والطّرق أي الزّجر، من الخبث» «٣» ، وروى الطّبرانيّ بسند صحيح والبيهقيّ «لن ينال الدّرجات العلا من تكهّن، أو استقسم، أو رجع من سفر تطيّرا» ، وقال: هذا هو ظاهر الحديث الأوّل والثّاني، وينبغي حمله على ما إذا كان معتقدا حدوث تأثير للتّطيّر «٤» .

[التطير وكفارته:]

قال الماورديّ: اعلم أنّه ليس شيء أضرّ بالرّأي، ولا أفسد للتّدبير من اعتقاد الطّيرة، ومن ظنّ


(١) انتهى بتصرف من مفتاح دار السعادة (٢/ ٢٣٠- ٢٣٤) وقوله «فلا يصدنّه» أي يصرفنّه عن حاجته.
(٢) أي ليس من قوله صلّى الله عليه وسلّم، وإنما من كلام ابن مسعود.
(٣) هكذا في الزواجر والذي أورده أبو داود وغيره «الجبت» (وهو كل ما عبد من دون الله) . انظر الحديث رقم (٦) .
(٤) انظر الزواجر لابن حجر (١٩٧)