للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الصحابة الأنصار الثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية الواقفي أبرز وأشهر المتخلفين وهم من المشهود لهم بالبلاء في الإسلام وبحسن إيمانهم «١» .

وإلى جانب هؤلاء، فقد تخلف بضعة وثمانون رجلا آخرين «٢» ، ذكر الواقدي أنهم من منافقي الأنصار كما ذكر أن المعذّرين من الأعراب كانوا اثنين وثمانين آخرين، وهم من بني غفار وغيرهم، أما عبد الله بن أبي بن سلول ومن أطاعه من قومه فكانوا يشكلون مجموعة كبيرة أخرى وهم غير من مر ذكرهم «٣» .

ولقد أقر الصحابة الثلاثة الذين تخلفوا بأنهم لا عذر لهم في تخلفهم عن الغزوة، ونهى النبي صلّى الله عليه وسلّم المسلمين عن الكلام معهم، وأمروا باعتزال نسائهم «٤» ، فاجتنبهم الناس خمسين ليلة، وضاقت بهم الأرض بما رحبت «٥» واستمرت المقاطعة حتى نزل القرآن يعلن قبول توبتهم في قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ «٦» .

حققت غزوة تبوك، رغم خلوها من المعارك، أهدافها في ترصين وترسيخ حكم الإسلام الذي امتد من خلالها ومن جراء ما ارتبط بها من اتفاقات ونتائج ليشمل الأطراف الشمالية من شبه جزيرة العرب وليضع المسلمين على أعتاب الفتوحات، ومهدت بذلك للفتوحات في كل من العراق وبلاد الشام على حد سواء، ومع أن جيش أسامة ابن زيد لم يقدر له أن يتحرك نحو الحدود الشمالية إلّا في أيام خلافة أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-، فإن قيام الرسول صلّى الله عليه وسلّم بالأمر بتجهيزه وتحديد وجهته قبيل وفاته كان مؤشرا واضحا لوجهة نشر الدعوة وحركة الفتوحات الإسلامية.

توحيد الجزيرة العربية تحت حكم الرسول صلّى الله عليه وسلّم:

تأثر موقف القبائل العربية من الرسول والدعوة الإسلامية بمؤثرات متداخلة، كان من أبرزها موقف قريش وأحلافها، ولعل بعضها كان يحسب لبني الأصفر- الروم- حسابا، وخاصة تلك القبائل التي سكنت في أطراف


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري، حديث ٤٤١٨) ، مسلم- الصحيح ٤/ ٢١٢٠- ٨ (حديث ٢٧٦٩) ، ابن حجر الإصابة ٤/ ٣٩٦، ٦٠٤.
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١١٤) ، الطبري- التفسير ١١/ ٥٨ وهو من مراسيل الزهري.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح ٨/ ١١٤) .
(٤) أصدر النبي صلّى الله عليه وسلّم أمر اعتزالهم للنساء بعد مرور أربعين يوما من عودته إلى المدينة ومقاطعة المسلمين لهم، وقد نفذوا أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، واستأذنته زوجة هلال بن أمية في خدمته ذلك أنه شيخ كبير ضائع لا خادم له، فأذن لها واشترط عليها أن لا يقربها. ابن هشام- السيرة ٣/ ٥٣٥.
(٥) حاول ملك الغساسنة النصراني أن يستغل الحالة التي كان عليها كعب بن مالك فكتب له رسالة مع أحد الأنباط دعاه فيها إلى الالتحاق به لمواساته، وقد أدرك كعب أن ذلك ابتلاء وامتحان من الله تعالى فقال: «قد بلغ بي ما وقعت منه أن طمع فيّ رجل من أهل الشرك» فأحرق الرسالة. ابن هشام- السيرة ٣/ ٥٣٥.
(٦) القرآن الكريم- سورة التوبة، الآية/ ١١٨، وانظر في ذلك البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١١٣/ ١١٦) .