للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد أورد الإمام مسلم أخبارا عن أغلب الوفود المذكورة آنفا «١» ، كما أوردت بقية الكتب الستة معلومات أوسع شملت عددا كبيرا من الوفود «٢» .. وذلك كله يقطع بقدوم الوفود في العام التاسع إلى المدينة لإعلان إسلام قبائلهم وانضمامهم إلى دولة الإسلام وخضوعهم لها، حتى توحدت جزيرة العرب عامة تحت حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتبقى مسألة الحاجة الماسة إلى نقد تاريخي لمتون الأخبار المفصلة التي وصلتنا عن الوفود، كما تحتاج القصائد المطولة التي ملئت بها الكتب التاريخية وكتب السيرة والمغازي إلى النقد الأدبي الدقيق، والتأكد من صحة نسبتها.

إن من الثابت تاريخيا سيادة الإسلام على كافة أنحاء الجزيرة العربية في العام التاسع، حيث تمت الوحدة السياسية لجميع أصقاعها تحت رايته، فلقد تمكن النبي صلّى الله عليه وسلّم من تحقيق الوحدة السياسية للجزيرة في أقل من عشر سنوات رغم جميع العراقيل والنزعات القبلية والجاهلية والمشكلات المتنوعة، وقوة الروح الفردية والأنانية الشخصية.

وما حققه الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يكن رسوما لوحدة صورية شكلية، بل مثّل امتزاجا فريدا لسلوك الإنسان وروحه وعقله مما هيأ الأساس المتين لامتداد وتطور الدولة الإسلامية التي استمرت في عطائها خلال القرون التالية.

الأحداث والبعوث والسرايا حتى وفاة النبي صلّى الله عليه وسلّم:

[حج أبي بكر بالناس:]

ذكرنا آنفا عمرة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد الفراغ من حصار الطائف حيث أهلّ بالعمرة من الجعرانة، ثم عاد بالجيش إلى المدينة، وقد حج المسلمون والمشركون معا عام الفتح، ثم أمّر أبا بكر (رضي الله عنه) على الحج في العام التاسع الهجري، فخرج في ذي الحجة إلى مكة ومعه عدد كبير من الصحابة «٣» ، وساقوا معهم الهدي «٤» .

نزلت سورة براءة بعد ارتحال ركب الحج من المدينة، فبعث النبي صلّى الله عليه وسلّم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- ليعلنها على الناس في يوم النحر بمنى «٥» ، وقد التقى أمير الحج وعلي في الطريق، وبعد أن اطمأن الصدّيق إلى


(١) ورد فيها معلومات واسعة عن الوفود مثل عبد القيس، بني حنيفة، وفد نجران، وفد الأشعريين، وفد الحميريين، وفد بني عامر، وفد بني سعد بن بكر، وفد دوس، وفود فروة بن مسيك المرادي، وفد كندة، رسول ملوك حمير، قدوم جرير بن عبد الله البجلي، وفد حضرموت، وفد بني المنتفق، وفد صداء، وفد عبد الرحمن بن أبي عقيل مع قومه، وفد بكر، وفادة طارق عبد الله وقومه ... مثلا.
(٢) وفد عبد القيس، مسلم- الصحيح ١/ ٤٦- ٥٠ (حديث ١٧- ١٨) ، وفد نجران (الصحيح ٤/ ١٨٢٢ (حديث ٢٤٢٠) ، قصة الطفيل بن عمر ووفد دوس، مسلم- الصحيح ٤/ ١٩٥٧ (حديث ٢٥٢٤) .
(٣) ابن سعد- الطبقات الكبرى ٢/ ١٦٨ بإسناد صحيح وبلغ عدد الصحابة الذين رافقوا أبا بكر الصديق- رضي الله عنه- في هذه الحجة ثلاثمائة صحابي (ابن حجر- فتح الباري ٨/ ٨٢) برواية الواقدي، ضعيف.
(٤) انفرد الواقدي بذكر ذلك وقال إنهم ساقوا معهم عشرين بدنة. ابن حجر- فتح الباري ٨/ ٨٢.
(٥) أورد ابن إسحاق حديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لا يؤدّي عنّي إلّا رجل من أهل بيتي» وإسناده حسن، ولكنه مرسل من محمد بن علي الباقر (ابن هشام- السيرة ٤/ ٢٠٣) ، وانظر كذلك: الطبري- التفسير ١٠/ ٦٥، وله شاهد يتقوى به انظر أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٢١٢ عن أنس، ابن كثير- البداية والنهاية ٥/ ٣٧- ٣٨، واستعرض البغوي أقوال العلماء في سبب إرسال النبي صلّى الله عليه وسلّم لعلي بن أبي طالب في هذه المهمة وقال: إن العرب قد تعارفوا فيما بينهم على ألا يتولى عقد العهود ونقضها إلا سيدهم أأو رجل من رهطه، ولذلك فإنه صلّى الله عليه وسلّم بعث عليّا دفعا للعلة ومنعا لهم من إنكار إلغاء العهد بسبب تبليغه إياهم خلاف ما جرت عليه عاداتهم وتقاليدهم. (التفسير ٣/ ٤٩ (بهامش تفسير الخازن) ، ونقله عنه الساعاتي في الفتح الرباني (٢١/ ٢١٢) .