للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمّا إذا كان التّكاثر في غير ذلك من الأعراض الزّائلة من المال والولد ونحوهما فإنّه مذموم ومنهيّ عنه شرعا، يقول الإمام ابن القيّم: كلّ ما يكاثر به العبد غيره سوى طاعة الله ورسوله وما يعود عليه بنفع معاده فهو داخل في التّكاثر المذموم «١» الّذي يلهي الإنسان ويشغله، وربّما وصل به إلى أن يموت ضالّا.

[التكاثر وحب الدنيا:]

إنّ إيثار الحياة الدّنيا والاغترار بها والخلود إليها هي العوامل الأساسيّة الّتي تدعو إلى التّكاثر في المال أو الجاه وغيرهما من مجالات التّكاثر الّتي أشرنا إليها، ويظلّ حبّ الدّنيا ملازما للإنسان حتّى مع كبر سنّه واقتراب نذر الموت منه، يقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: «لا يزال قلب الكبير شابّا في اثنتين: في حبّ الدّنيا، وطول الأمل» «٢» ، وهؤلاء المتكاثرون هم من أبناء الدّنيا الّذين أشار إليهم عليّ بن أبي طالب- رضي الله عنه- في قوله: «ارتحلت الدّنيا مدبرة وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكلّ واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدّنيا، فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وغدا حساب ولا عمل» «٣» .

إنّ النّهي عن التّكاثر النّاشيء عن حبّ الدّنيا لا ينبغي بحال أن يفهم منه النّهي عن اكتساب المعايش أو السّعي في طلب الرّزق، قال تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (القصص/ ٧٧) ، يقول ابن الجوزيّ: بالغ قوم في هجر الدّنيا من غير بحث عن حقيقتها، وذلك أنّه ما لم يعرف حقيقة الشّيء فلا يجوز أن يمدح أو يذمّ، فإذا بحثنا عن الدّنيا رأينا هذه الأرض البسيطة الّتي جعلت قرارا للخلق، تخرج منها أقواتهم، ويدفن فيها أمواتهم، ومثل هذا لا يذمّ لموضع المصلحة فيه، وكلّ ما في هذه الدّنيا من ماء وزرع وحيوان، كلّه لمصالح الآدميّ وفيه حفظ لسبب بقائه، الّذي هو سبب لمعرفته ربّه وطاعته إيّاه، وخدمته، وما كان سببا لبقاء العارف العابد فإنّه يمدح ولا يذمّ، فبان لنا أنّ الذّمّ إنّما هو لا أفعال الجاهل المتكاثر، أو المعاصي المفسد، أمّا إذا اقتنى المرء المال المتاح، وأدّى زكاته، فلا لوم «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الأمن من المكر- البطر- الكبر والعجب- اتباع الهوى- الأثرة- الكنز- البخل- الشح- أكل الحرام- التطفيف- السرقة- الغش- الربا.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الزهد- التواضع- التقوى- الورع- الإنفاق- الإيثار- البر- الجود- السخاء- الصدقة- الإحسان- الزكاة- الكرم- النزاهة- أكل الطيبات] .


(١) الفوائد لابن القيم (٤١) .
(٢) رواه البخاري عن أبي هريرة- رضي الله عنه- في كتاب الرقاق، انظر فتح الباري (١١/ ٢٤٣) .
(٣) المرجع السابق (١١/ ٢٣٩) .
(٤) صيد الخاطر لابن الجوزي (١٨) بتصرف يسير.