للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجاذب ملاعبة «١» .

وقال ابن منظور: أصل النّزع: الجذب والقلع، ومنه نزع الرّوح من الميّت، ونزع القوس إذا جذبها، وبئر نزوع ونزيع قريبة القعر تنزع دلاؤها بالأيدي نزعا لقربها، وفي الحديث: «رأيتني أنزع على قليب» معناه رأيتني في المنام أستقي بيدي من قليب. والنّزاعة والنّزاعة، والمنزعة والمنزعة الخصومة، والتّنازع في الخصومة مجاذبة الحجج فيما يتنازع فيه الخصمان، يقال قد نازعه منازعة ونزاعا: جاذبه في الخصومة، قال ابن مقبل:

نازعت ألبابها لبّي بمقتصر ... من الأحاديث حتّى زدنني لينا

أي نازع لبّي ألبابهنّ، والتّنزّع التّسرّع، يقال:

رأيت فلانا متنزّعا إلى كذا أي متسرّعا إليه «٢» ، وأمّا قول الله تعالى حَتَّى إِذا فَشِلْتُمْ وَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ (آل عمران/ ١٥٢) فالمراد اختلفتم، يعني الرّماة حين قال بعضهم لبعض: نلحق الغنائم، وقال بعضهم: بل نثبت في مكاننا الّذي أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالثّبات فيه «٣» .

[التنازع اصطلاحا:]

قال المناويّ: التّنازع والمنازعة: المجاذبة ويعبّر بها عن المخاصمة والمجادلة «٤» . قال: والنّازع:

الشّيطان لأنّه ينزع بين القوم أي يفرّق ويفسد «٥» .

الفرق بين التّفرق والتنازع:

يتجلّى الفرق بين الأمرين أنّ التّفرّق والتّفريق خاصّ بالأعيان، أمّا التّنازع فيكون في الأعيان والمعاني على سواء، وأيضا فإنّ التّنازع لا بدّ وأن يصحبه اجتماع، أمّا التّفرّق فقد يكون بعد الاجتماع وقد يكون بدونه أي إنّه يحصل ابتداء، ومن وجوه الفرق أيضا أنّ ضدّ التّفرّق الاجتماع، وضدّ التّنازع الاتّحاد (وخاصّة في مجال الرّأي) ، وإذا اجتمع الأمران فإنّ التّنازع يكون سببا للفرقة، بحيث تكون كالنّتيجة له.

التنازع بين المدح والذّم:

قال الشّيخ محمّد الغزاليّ: إنّ التّنازع واختلاف الرّأي حول أمر من الأمور قد يكون مطلوبا إذا صحبته نيّة حسنة، وكان الغرض منه إظهار الحقّ بالبرهان والحجّة، وهو حينئذ أقرب إلى التّشاور منه إلى الجدال والخصام.

إنّ اختلاف الأفهام واشتجار الآراء ليس بمستغرب في الحياة ولكن شريطة ألّا يؤدّي ذلك للتّقاطع (التّفرّق) ، والشّقاق» ، ولو تجرّدت النيّات للبحث عن الحقيقة، وأقبل روّادها وهم بعداء عن طلب الغلب والسّمعة والرّئاسة والثّراء لصفّيت المنازعات الّتي ملأت التّاريخ بالأكدار والمآسي، وأردف- رحمه الله- قائلا: إنّ النّاس إذا لم يجمعهم الحقّ شعّبهم الباطل، وإذا لم يستهوهم نعيم الآخرة


(١) انظر تفسير البحر المحيط ٨/ ١٤٧.
(٢) لسان العرب «نزع» (٤٣٩٥- ٤٣٩٧) بتصرف واختصار.
(٣) تفسير القرطبي ٤/ ١٥٢.
(٤) التوقيف على مهمات التعاريف ص ٣٢٣
(٥) المرجع السابق نفسه، والصفحة نفسها.