للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنه- صلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والناس يصلون بصلاة أبي بكر «١» .

أعتق النبي صلّى الله عليه وسلّم في اليوم السابق لوفاته غلمانه، وتصدق بما كان معه من دنانير، وقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا نورث وما تركنا صدقة» «٢» .

أطل الرسول صلّى الله عليه وسلّم فجر يوم وفاته على المسلمين وهم يستوون لصلاة الصبح حيث كشف ستر حجرته ونظر إليهم وتبسم، وهمّ المسلمون أن يفتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتأخر أبو بكر عن موضع الإمام ملتحقا بالصف الأول، غير أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أشار إليهم بيده الكريمة: أن أتمّوا صلاتكم، ثم دخل حجرة عائشة، وأرخى الستر. «٣»

ودخلت عليه فاطمة الزهراء- رضي الله عنها- عند الضحى فقالت: «واكرب أباه» . فقال لها صلّى الله عليه وسلّم:

«ليس على أبيك كرب بعد اليوم» «٤» .

ثم دعاها فسارّها بشيء فبكت، ثم دعاها فسارّها بشيء فضحكت، فأخبرت بعد وفاته أنه أخبرها بموته فبكت ثم أخبرها بأنها أول أهله لحاقا به فضحكت «٥» ، والحديث من دلائل نبوته صلّى الله عليه وسلّم لأن ما أخبرها به قد كان.

وكان آخر ما تكلم به صلّى الله عليه وسلّم قوله وهو يستند إلى صدر أم المؤمنين عائشة- رضي الله عنها-: «مع الّذين أنعمت عليهم من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، اللهمّ اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرّفيق الأعلى، اللهمّ في الرّفيق الأعلى» كررها ثلاثا «٦» . ثم مالت يده، ولحق بالرفيق الأعلى «٧» .

وكانت وفاته صلّى الله عليه وسلّم حين اشتد الضحى من يوم الاثنين، الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة للهجرة «٨» وقد نادت فاطمة الزهراء: «يا أبتاه، أجاب ربا دعاه، يا أبتاه إلى جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه: إلى جبريل ننعاه» «٩» .

ولم يصدق عمر بن الخطاب نبأ وفاته صلّى الله عليه وسلّم وتهدد من يقول ذلك «١٠» . أما أبو بكر فقد جاء من بيته بالسنح، ودخل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وكشف عن وجهه وقبله وبكى. ثم خرج إلى الناس وهم بين مصدق ومنكر، فقال: «أما


(١) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٤١، أحمد- المسند (الفتح الرباني ٢١/ ٢٣١) ، ابن كثير- البداية ٥/ ٢٢٩- ٢٣٠، وانظر كذلك مسلم- الصحيح ١/ ٣١٣- ٤ (حديث ٤١٨) .
(٢) البخاري- الصحيح (فتح الباري، الأحاديث ٦٧٢٦- ٦٧٢٨، ٦٧٣٠) ، وانظر ابن سعد- الطبقات ٢/ ٢٣٧- ٨، ٣١٦- ٣١٧، من عدة طرق يتقوى بعضها ببعض ولها شاهد من حديث البخاري أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يترك عند موته عبدا ولا أمة.
(٣) البخاري- الصحيح (فتح الباري حديث ٤٤٤٨) .
(٤) المرجع السابق (فتح الباري ٨/ ١٤٩ حديث ٤٤٦٢) .
(٥) البخاري- الصحيح (فتح الباري ١/ ٢٠٨ الاحاديث ٤٤٣٣- ٤) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٩٠٤ (حديث ٢٤٥٠) .
(٦) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٣٦ حديث ٤٤٤٩) ، ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٢٩ بإسناد صحيح.
(٧) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٤٢ حديث ٤٤٦٣) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٨٩٤ (حديث ٢٤٤٤) .
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٥٠ حديث ٤٤٦٦) ، وانظر ابن حجر- الفتح ٨/ ١٢٩.
(٩) البخاري- الصحيح (فتح الباري ٨/ ١٤٩) حديث ٤٤٦٢.
(١٠) أحمد- الفتح الرباني ٢١/ ٢٤١- ٢٤٢، ابن سعد- الطبقات ٢/ ٢٦٦، الصنعاني- المصنف ٥/ ٤٣٣- ٤٣٤.