للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها «١» فقالوا: يا لبّيك يا لبّيك. قال: فاقتتلوا والكفّار «٢» . والدّعوة في الأنصار «٣» يقولون: يا معشر الأنصار، يا معشر الأنصار، قال: ثمّ قصرت الدّعوة على بني الحارث بن الخزرج فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هذا حين حمي الوطيس «٤» » قال: ثمّ أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حصيات فرمى بهنّ وجوه الكفّار،. ثمّ قال: «انهزموا، وربّ محمّد.» قال: فذهبت انظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى. قال: فو الله ما هو إلّا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدّهم كليلا «٥» وأمرهم مدبرا» ) * «٦» .

٤-* (عن صفوان بن عسّال- رضي الله عنه- قال: قال يهوديّ لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النّبيّ، فقال صاحبه: لا تقل نبيّ؛ إنّه لو سمعك كان له أربعة أعين، فأتيا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسألاه عن تسع آيات بيّنات. فقال لهم: «لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النّفس الّتي حرّم الله إلّا بالحقّ، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الرّبا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولّوا الفرار يوم الزّحف، وعليكم خاصّة اليهود «٧» أن لا تعتدوا في السّبت» قال: فقبّلوا يده ورجله فقالا: نشهد إنّك نبيّ. قال: «فما يمنعكم أن تتّبعوني؟» قالوا: إنّ


(١) لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي عطفة البقر على أولادها: أي عودهم لمكانتهم وإقبالهم إليه صلّى الله عليه وسلّم عطفة البقر على أولادها. أي كان فيها انجذاب مثل ما في الأمات حين حنت على الأولاد. قال النووي: قال العلماء: في هذا الحديث دليل على أن فرارهم لم يكن بعيدا. وأنه لم يحصل الفرار من جميعهم، وإنّما فتحه عليهم من في قلبه مرض من مسلمة أهل مكة المؤلفة قلوبهم ومشركيها الذين لم يكونوا أسلموا. وإنما كانت هزيمتهم فجأة لا نصبابهم عليهم دفعة واحدة، ورشقهم بالسهام، ولاختلاط أهل مكة معهم ممن لم يستقر الإيمان في قلبه، وممن يتربص بالمسلمين الدوائر. وفيهم نساء وصبيان خرجوا للغنيمة، فتقدم أخفاؤهم. فلما رشقوهم بالنبل ولوا فانقلبت أولاهم على أخراهم. إلى أن أنزل الله سكينته على المؤمنين، كما ذكر الله تعالى في القرآن.
(٢) والكفار: هكذا هو في النسخ. وهو بنصب الكفار. أي مع الكفار.
(٣) والدعوة في الأنصار: هي بفتح الدال. يعني الاستغاثة والمناداة إليهم.
(٤) هذا حين حمى الوطيس: قال الأكثرون: الوطيس شبه تنور يسجر فيه. ويضرب مثلا لشدة الحرب التي يشبه حرها حره. قال آخرون: قيل الوطيس هو التنور نفسه. وقال الأصمعي: هي حجارة مدورة، إذا حميت لم يقدر أحد أن يطأ عليها، فيقال: الآن حمى الوطيس. وقيل: هو الضرب في الحرب. وقيل: هو الحرب الذي يطيس الناس، أي يدقهم. قالوا: وهذه اللفظة من فصيح الكلام وبديعه الذي لم يسمع من أحد قبل النبي صلّى الله عليه وسلّم.
(٥) فما زلت أرى حدهم كليلا: أي ما زلت أرى قوتهم ضعيفة.
(٦) البخاري- الفتح ٦ (٢٩٣٠) . مسلم (١٧٧٥) واللفظ له.
(٧) قوله خاصة: مفعول مطلق والتقدير أخص خاصة اليهود لتأكيد اختصاصهم بما ألزمتهم به شريعتهم من عدم الاعتداء في السبت.