للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (الأنفال/ ٢٢) فهذا ذو داء أعيا الأطبّاء، فما كلّ داء له دواء، فلا سبيل إلى تنبّهه وتهذيبه.

كما قيل لحكيم يعظ شيخا جاهلا: ما تصنع؟

فقال: أغسل مسحا لعلّه يبيضّ.

والرّابع: معتقد اعتقادا فاسدا عرف فساده، أو تمكّن من معرفته، لكنّه اكتسب دنيّة لرأسه، وكرسيّا لرئاسته، فهو يحامي عليها، فيجادل بالباطل ليدحض به الحقّ، ويذمّ أهل العلم ليجرّ إلى نفسه الخلق، ويقال له: فاسق ومنافق، وهو من الموصوفين بالاستكبار والتّكبّر في نحو قوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ (المنافقون/ ٥) فنبّه تعالى أنّهم ينكرون ما يقولونه لمعرفتهم ببطلانه، لكن يستكبرون عن التزام الحقّ وذلك حال إبليس فيما دعي إليه من السّجود لآدم عليه السّلام «١» .

[عقوبة أهل الجهل في الحال والمآل:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: أهل الجهل والظّلم الّذين جمعوا بين الجهل بما جاء به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والظّلم باتّباع أهوائهم الّذين قال الله تعالى فيهم: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (النجم/ ٢٣) وهؤلاء قسمان:

أحدهما: الّذين يحسبون أنّهم على علم وهدى وهم أهل الجهل والضّلال، فهؤلاء أهل الجهل المركّب الّذين يجهلون الحقّ ويعادونه ويعادون أهله، وينصرون الباطل ويوالون أهله، وهم يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (المجادلة/ ١٨) ، فهم لاعتقادهم الشّيء على خلاف ما هو عليه بمنزلة رائي السّراب الّذي يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً (النور/ ٣٩) وهكذا هؤلاء أعمالهم وعلومهم بمنزلة السّراب الّذي يكون صاحبه أحوج ما هو إليه، ولم يقتصر على مجرّد الخيبة والحرمان كما هو الحال فيمن أمّ السّراب فلم يجده ماء، بل انضاف إلى ذلك أنّه وجد عنده أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين سبحانه وتعالى- فحسب له ما عنده من العلم والعمل فوفّاه إيّاه بمثاقيل الذّرّ، وقدم إلى ما عمل من عمل يرجو نفعه، فجعله هباء منثورا؛ إذ لم يكن خالصا لوجهه ولا على سنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، وصارت تلك الشّبهات الباطلة الّتي كان يظنّها علوما نافعة كذلك هباءا منثورا، فصارت أعماله وعلومه (هكذا) .

والقسم الثّاني من هذا الصّنف: أصحاب الظّلمات وهم المنغمسون في الجهل بحيث قد أحاط بهم من كلّ وجه، فهم بمنزلة الأنعام بل هم أضلّ سبيلا، فهؤلاء أعمالهم الّتي عملوها على غير بصيرة، بل بمجرّد التّقليد واتّباع الآباء من غير نور من الله تعالى، كظلمات عديدة وهي ظلمة الجهل، وظلمة الكفر، وظلمة الظّلم واتّباع الهوى، وظلمة الشّكّ والرّيب، وظلمة الإعراض عن الحقّ الّذي بعث الله تعالى به رسله- صلوات الله وسلامه عليهم-،


(١) الذريعة إلى مكارم الشريعة (١٣١، ١٣٢) .