للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأحاديث الواردة في ذمّ (الحرب والمحاربة) معنى

٩-* (عن أبي النضر، عن كتاب رجل من أسلم من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقال له عبد الله بن أبي أوفى. فكتب إلى عمر بن عبيد الله، حين سار إلى الحروريّة «١» . يخبره أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان في بعض أيّامه الّتي لقي فيها العدوّ، ينتظر حتّى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يأيّها الناس لا تتمنّوا لقاء العدوّ «٢» واسألوا الله العافية «٣» . فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أنّ الجنّة تحت ظلال السيوف» ثمّ قام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وقال: «اللهمّ منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» ) * «٤» .

١٠-* (عن عائشة أمّ المؤمنين- رضي الله عنها- أنّها قالت: أوّل ما بدىء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم. فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصبح. ثمّ حبّب إليه الخلاء. وكان يخلو بغار حراء ويتحنّث فيه- وهو التعبّد- الليالي أولات العدد- قبل أن ينزع إلى أهله. ويتزوّد لذلك، ثمّ يرجع إلى خديجة فيتزوّد لمثلها. حتّى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: «ما أنا بقارئ» . قال: «فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ.

فأخذني فغطّني الثانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني. فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة، ثمّ أرسلني. فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (العلق/ ١- ٣» ) . فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجف فؤاده. حتّى دخل على خديجة بنت خويلد- رضي الله عنها- فقال: «زمّلوني، زمّلوني» فزمّلوه حتّى ذهب عنه الروع. فقال لخديجة وأخبرها الخبر.

قال: «لقد خشيت على نفسي» . فقالت خديجة: كلّا.

والله ما يخزيك الله أبدا. إنّك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزّى ابن عمّ خديجة وكان امرأ تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العبرانيّ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي. فقالت له خديجة: أي عمّ اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خبر ما رأى. فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزّل الله على موسى، يا ليتني


(١) إلى الحرورية: أي لقتالهم. وهم الخوارج.
(٢) لا تتمنوا لقاء العدو: إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة، وهو نوع بغي. وقد ضمن الله تعالى لمن بغي عليه أن ينصره. ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره. وهذا يخالف الاحتياط والحزم.
(٣) واسألوا الله العافية: قد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية. وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والبطن، في الدين والدنيا والآخرة.
(٤) مسلم (١٧٤٢) .