للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليك وثنيت رجليّ فطفرت «١» فعدوت. قال: فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي «٢» ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفا أو شرفين. ثمّ إنّي رفعت حتّى ألحقه «٣» . قال: فأصكّه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبقت والله. قال: أنا أظنّ «٤» قال: فسبقته إلى المدينة» قال: فو الله ما لبثنا إلّا ثلاث ليال حتّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. قال: فجعل عمّي «٥» عامر يرتجز بالقوم:

تا الله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدّقنا ولا صلّينا

ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبّت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من هذا؟» قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربّك» قال: وما استغفر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لإنسان يخصّه إلّا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبيّ الله لولا ما متّعتنا بعامر. قال: فلمّا قدمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه «٦» ويقول:

قد علمت خيبر أنّي مرحب ... شاكي السلاح «٧» بطل مجرّب «٨»

إذا الحروب أقبلت تلهّب

قال: وبرز له عمّي عامر، فقال:

قد علمت خيبر أنّي عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر «٩»

قال: فاختلفا ضربتين: فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له «١٠» . فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله بطل عمل عامر؟. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «من قال ذلك؟» قال


(١) فطفرت: أي وثبت وقفزت.
(٢) فربطت عليه شرفا أو شرفين أستبقي نفسي: معنى ربطت حبست نفسي عن الجري الشديد. والشرف ما ارتفع من الأرض. وقوله: أستبقي نفسي، أي لئلا يقطعني البهر
(٣) رفعت حتى ألحقه: أي أسرعت. قوله: حتى ألحقه. حتى، هنا، للتعليل بمعنى كي. وألحق منصوب بأن مضمرة بعدها.
(٤) أظن: أي أظن ذلك. حذف مفعوله للعلم به.
(٥) فجعل عمي: هكذا قال، هنا: عمي. وقد سبق في حديث أبي الطاهر عن ابن وهب أنه قال: أخي. فلعله كان أخاه من الرضاعة، وكان عمه من النسب.
(٦) يخطر بسيفه: أي يرفعه مرة ويضعه أخرى. ومثله: خطر البعير بذنبه يخطر، إذا رفعه مرة ووضعه أخرى.
(٧) شاكي السلاح: أي تام السلاح. يقال: شاكي السلاح، وشاكّ السلاح، وشاكّ في السلاح، من الشوكة وهي القوة. والشوكة أيضا السلاح. ومنه قوله تعالى: وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ.
(٨) بطل مجرب: أي مجرب بالشجاعة وقهر الفرسان. والبطل الشجاع يقال بطل الرجل يبطل بطالة وبطولة، إذا صار شجاعا.
(٩) بطل مغامر: أي يركب غمرات الحرب وشدائدها ويلقي بنفسه فيها.
(١٠) يسفل له: أي يضربه من أسفله.